في أمسية دشن بها مجلس ادارة أدبي الشرقية المكلف فعالياته الثقافية واستضاف خلالها القاص الناقد عبدالله سفر والناقد القاص مبارك الخالدي وشهدت حضورا لافتا.. افتتح رئيس النادي الكاتب والقاص خليل الفزيع الأمسية مشيرا إلى أن ثمة تبادلا للأدوار ما بين الناقد مبارك الخالدي الذي تحول إلى قاص والشاعر عبدالله السفر الذي تحول إلى ناقد. بعدها بدأت الأمسية القصصية بقراءة من القاص مبارك الخالدي لمجموعة من القصص منها «الركض» و»ذات صباح» و»تباريح وحيد بن فياض» وبعض القصص القصيرة منها «قفزة» و»حروب» و»حدث» وافاقه التي يقول فيها: «فكر ان يفعل شيئا يهشم به زجاج الرتابة التي تعصره طوال الوقت، قال لزوجته: أكرهك، ردت ببرود: ومتي قلت إنك تحبني». القراءة النقدية بعد الخالدي جاء دور الناقد عبدالله السفر الذي قدم رؤيته النقدية تحت عنوان «هل يركضون ذات يوم» والذي يشير فيها الى ان الانطباع الأول، الذي تتركه نصوص مبارك الخالدي، هو السعي المثابر للانعتاق والخروج على القيد بمعناه الاجتماعي والسياسي والثقافي الذي يتعدّى الخاص إلى الحيز العام. ويتابع السفر: ثمة قصد يحتمل الإلماح والإشارة لكنه لا يحتمل المداورة أو الغمغمة. وضوح يسطع بفنيته لا بفجاجة المباشرة ومجانيتها. إنجاز الموقف وتمرير الرسالة يجريان بأدوات فنية نابعة من قلب العمل، وليس من إلصاق مقولات خارجية تبهظ النص إن لم تقتله؛ حين يتحول إلى «معرض» صارخ، ربما يخلص لمقولاته سوى أنه يخون إبداعيته. وعن نصي «الركض» و»ذات صباح» يقول السفر: تتبدى رغبة عارمة ومحرضة على الانطلاق ومفارقة عالم الرتابة والإذعان بحبله الغليظ الذي تمسك به قبضة السلطة في وجهها الاجتماعي والسياسي. يقدم هذان النصان حالة فردية وتجربة شخصية للسارد، غير أن ذلك يستبطن فنيا ما هو أبعد من الفردي والشخصي. يبدأ نص «الركض» بجملة كاشفة تنطوي على المدى الذي يرنو إليه الراكض على شاطئ البحر «منسلخاً عن ثيابه، داخلاً في حالة من الركض غريبة ومجنونة. يركض. يركض. دون التفات أو توقف». ويلفت في هذه الجملة أن الكاتب لم يستخدم المفردة المعتادة للتجرد من الملابس نحو خلع أو نضى. لقد انتقى الخالدي كلمة دقيقة ومعبرة هي «منسلخا» التي تفيد مادّتها اللغويّة السلخ والكشط بمفعولها القاسي الذي لا يتلاءم مع الثياب، ويذهب إلى الجلد بمجاز الخروج ومزاج التغيير في فِعْلة الغرابة والجنون، بما يتخطى الحد ويتجاوز التخوم الموضوعة إطاراً تنبيهيا لممارسة الحياة ضمنها. الراكض يكسر الإطار ولا يمكث عنده يساوره الندم فهو «يركض. دون التفات أو توقف». هذه الحالة من الركض التي تنبسط على أديم النص حدثا بسيطا لاستعادة ضرب من الرغبات الصغيرة الذائبة في المحيط الكبير بمصداته وحواجزه؛ يسري في مفاصلها ذلك الشوق العميق بهبوبٍ مشبوب يتجلى لدى الراكض لحظة تحققه بأنه حالة «من النشوة والانتصار» تتعالى على فراغ لا يسكنه وحده. إنما هو ممتد يملأ كامل الإطار. الثقب الذي أحدثه الراكض يستدعي التوسيع بانسلاخٍ جمعي من الجهامة نحو إشراقة البراءة وعالمها الأول المضمخ بانطلاقة الطفولة «يشخص بصره عبر الظلمة إلى الأجسام دائبة الحركة. يفكر: كم من الرغبات الصغيرة لديهم؟ هل غادرتهم رغباتهم الكبيرة؟ هل يركضون ذات يوم». ويرى السفر أن موضوعةَ الخروج والانطلاق تظل شغف الخالدي الدائم، يعود إليها في جملة من نصوصه القصصية. وكأنه الجرح القديم الذي لا يبرأ، ويبقى مفغورا ينز من نص إلى آخر. وهذه المعاودة نجدها فيما كتبه من قصص قصيرة جداً التي تتألف من عدد محدود للكلمات في نصف صفحة أو أقل أو حتى في سطرين. هذا الاقتصاد الكمي ربما لا ينجز القصة القصيرة جدا، إذا لم تصحبه كيفية عمادُها التكثيف والتركيز والإضمار، بما يصنع التوتر والتماسك والانشداد إلى مركز الدلالة دون تزيد أو استطالة. وضمن هذا المنظور نقرأ إبداع الخالدي في هذا اللون من السرد وهو يستعيد موضوعتَهُ الأثيرة في قصة «قفزة». ويؤكد السفر أن الخالدي لا يمتثل لصرامة المعيار الخارجي الشكلي الذي يبالغ في التشذيب بحذف الصفات والتخفف من أدوات العطف والأسماء الموصولة. كما يلح على الاتكاء على الجمل القصيرة وردعها من أن يطول نفسها فتحضن ما يدعم دلالتها ويؤكدها. وهذا يعني وعي الكاتب أن المعيار الخارجي أداة وليس غاية؛ أداة فنيّة يطوعها لتخدم في النهاية قصده الإبداعي، وما يهم تقديم نص متماسك مشع بدلالته، دون الانحباس في شروط برانية. ويختم السفر ورقته برجاء لمبارك الخالدي أن يتخلص من التأجيل، لئلا أقول الكسل، فيعمد إلى جمع نصوصه القصصيّة وإخراجها في كتاب. فمن الظلم أن تبقى هذه النصوص بعيدة عن أعين القراء، وألا تكون رصيدا في مدوّنة القصة المحليّة والعربيّة. وفي نهاية الأمسية كانت هناك بعض المداخلات ومنها مداخلة لرئيس النادي خليل الفزيع أكد فيها استعداد النادي لتبني طباعة أول مجموعة قصصية لمبارك الخالدي.