هذه السموم، المسماة "نظريات وأفكاراً"، لم تصدمنا وحدنا، بصفتنا الطرف المفترى عليه، بل صدمت كل الشرفاء، والطيبين في العالم. فكاتب الافتتاحيات الشهير في مجلة "باري ماتش" الفرنسية جيل مارتان شوفييه، قال إثر اطلاعه على كتاب الصحافية الإيطالية، اريانا فالاتشي "الكبرياء والغضب": "لست مسلماً، ولكنني بعد قراءة هذا الكتاب الذي يقطر حقداً، اكاد افكر في الانتساب الى تنظيم القاعدة. وهذه كلمة حق في زمان اغبر، وهي تعطي مؤشراً جديداً على ان غلاة الغرب ربما "يستطيعون خداع كل الناس بعض الوقت، ولكنهم لن يستطيعوا خداع كل الناس كل الوقت". ويرى بول فندلي - العضو السابق بمجلس النواب الأميركي وأحد المتعاطفين مع قضايانا وصاحب الكتاب الشهير "من يجرؤ على الكلام" - يرى في كتابه الجديد "تحدي افكار اميركا الخاطئة عن الإسلام" ان "المواطن الأميركي ينساق وراء الصورة النمطية التي تحاول وسائل الإعلام الموجهة في الغرب التي يسيطر عليها اللوبي الصهيوني، تكريسها عن المسلم والعربي، من دون ان يكلف نفسه عناء الاطلاع على تعاليم الإسلام السمحة". ويستطرد فندلي: "معظم الأميركيين لم يسبق لهم ان قرأوا القرآن، او التقوا مسلماً، كما انهم لا يملكون ادنى فكرة عن مبادئ الإسلام العظيمة ومعتقداته التي تتجلى في الإيمان بالله الواحد والسلام والعدل، وبالإحسان والتسامح مع الأديان الأخرى، وفي حقوق المرأة، وهي المبادئ التي يجب ان تلزم المسلمين والمسيحيين واليهود على حد سواء". هذان الرأيان سيقا للمثال لا للحصر. ومن الملاحظ ان هؤلاء المنصفين يكثرون يوماً إثر يوم، بعد ان تزول غشاوة الدعاية المضللة عن اعينهم، ويُعتقوا من حبائلها. قد يقول قائل ان الغرب ما كان ليناصبنا العداء لولا ما كان في الحادي عشر من ايلول سبتمبر من احداث ألبت كتّاب الغرب ومفكريه على المسلمين والعرب في شكل غير مسبوق. وأرى ان هذا الطرح سطحي يأخذ بظاهر الأمور، دون الغوص في جوهرها. فنحن، بداية، لا نتكلم عن سنة او سنتين، بل نتكلم عن الشرق والغرب، وعن علاقة ممتدة عبر قرون من المد والجزر، من الحروب والتجارة والتلاقح المعرفي والحضاري. هذا من جهة. اما من جهة اخرى، فإننا حتى لو اتفقنا مع الغرب على ان اعتداءات نيويورك وواشنطن هي جريمة نكراء، وأن منفذيها قتلة و"إرهابيون"، وما الى ذلك، ولكن هل يجوز للغرب ان يجرّم ديناً اتباعه بليون مسلم، وأمة قوامها 300 مليون عربي، وأن يأخذهم بفعلة ربما قام بها بعض ابنائها؟ ثم متى كان "الإرهاب" مقتصراً على امة بعينها او على دين بعينه؟ لقد قال السيد المسيح عليه السلام: "من كان منكم بلا خطيئة فليرمها بحجر". وأرى ان رد الغرب على هذه التساؤلات بالإيجاب هو في مصلحته ومصلحة التاريخ والحقيقة في آن. لأن رده عليها بالسلب يعني ان يجيز لنا طرح عشرات، بل مئات الأسئلة التي تدور في خلدنا، ويضيق بها صدرنا منذ قرون وقرون، ولعل بعضها وليس كلها الآتي: إذا كان الإرهاب صفة تلازم الإسلام والعروبة، فهل كان هتلر وموسوليني وستالين ونيرون مسلمين او عرباً؟ وهل يجوز ان نحكم على الشرائع والأديان والأمم لمجرد ظهور بعض الأشخاص والقتلة فيها؟ وهل شربت الولاياتالمتحدة إلا من الكأس ذاتها التي اترعتها يوماً لليابانيين في هيروشيما وناغازاكي؟ وهل كنا إلا ضحية لهذا الغرب عندما قسّمنا على دويلات قطرية، بحسب هواه ومقتضى مصالحه؟ وأين كان ضميره عندما اعطت من لا تملك بريطانيا العظمى ارضاً فلسطين لمن لا يستحق الصهاينة؟ أليس مطلوباً من الغرب صحوة ضمير - ولو متأخرة - للتكفير عن هذا الجرم الذي كل معاناتنا منه؟ وهكذا، من السهل ان نبدأ هذه التساؤلات. ولكننا لا نملك قرار التوقف عنها، فالكأس طافحة. الرياض - احمد العمّار كاتب سوري