وصفها البعض بأنها منحوتة حديثة، والبعض الآخر سماها تركيبة فنية. وربما اختلف التعريف، لكن معروضة "مورسياس" العملاقة تقيم دنيا الفن الحديث ولا تقعدها. وتفرق صفوف النقاد الفنيين وزوار المعرض على حد سواء. الفنان المذنب هو آنيش كابور. مكان العرض هو غاليري تيت مودرن في قلب لندن. المنحوتة - التركيبة خليط عملاق وغريب من المطاط الأحمر يعكس أشكال خيمة وزهرة استوائية وبوق وقرن الغراموفون الموسيقي. صُممت "مورسياس" وشيدت خصيصاً لتملأ فراغاً هائلاً في غرفة العرض الرئيسية في معرض تيت، وهي صالة المحركات معرض تيت مودرن كان محطة توليد كهرباء، تقاعدت في الستينات من القرن الماضي، ثم حولت إلى معرض للفن الحديث. الصالة بطبيعتها المستطيلة وبسقفها الشاهق يصعب التعاطي معها فنياً بمنحوتة واحدة تملأها. إلى أن جاء الفنان البريطاني، الهندي الأصل، آنيش كابور بفكرة "مورسياس" التي تنتمي إلى عالم منحوتات فنتازية، يلفه الغموض والسحر وتأسره غرابة التركيبة التي تتحدى بعض المعطيات الهندسية والجاذبية. يبلغ طول التركيبة - المنحوتة مئة وخمسين متراً وارتفاعها اثنين وعشرين متراً وعرضها خمسة وثلاثين متراً. تتألف "مورسياس" من حلقتين عملاقتين، قطر كل منهما اثنان وعشرون متراً. وُضعت الحلقة الأولى عمودياً عند مدخل الصالة، وانتصبت الحلقة الثانية في الطرف الآخر للصالة. وترتبط الحلقتان بأنبوب طويل مصنوع من البلاستيك القرمزي اللون، ويضيق الأنبوب في شكل تدريجي بعد الفتحة الرئيسة التي تبدو وكأنها زهرة ليلك مائي استوائي عملاقة معلقة في الهواء. يمتد عنقها إلى وسط الصالة ليلتحم بالحلقة الثالثة المعلقة افقياً. وينطبق المبدأ نفسه على الحلقة الثانية الموضوعة في طرف الصالة الآخر. والنتيجة نقلة من عمودية الفتحة الأولى إلى افقية الفتحة الثانية ثم عودة إلى الافقية، وذلك من خلال ارتباط غريب بأنبوب لا يستطيع الزائر ولوجه. ويستحيل على الزائر مشاهدة "مورسياس" من زاوية واحدة بسبب ضخامتها، وعليه السير حولها، من تحتها وعلى جسور خاصة شيدت فوقها ليتعرف الى أبعادها الخاصة المميزة. لكن الانطباع الأول من الخارج هو أن جوانبها تتمغط افقياً كالعضلات العملاقة. وما يغذي هذا الانطباع هو خطوط لصق وتلاقي شرائح البلاستيك الحمر جنباً إلى جنب لتعطي انطباعاً بأنها أعصاب العضلات. وربما اراد آنيش كابور أن تكون "مورسياس" غامضة بسبب عدم قدرة الزائر على الوصول إلى داخلها، لكن عدم قدرة الزائر على دخول الممرين الرابطين الحلقات الثلاث يدفع الناس إلى التذمر والقول إنهم لا يفهمون فحوى المنحوتة - التركيبة. لكن آنيش كابور يعتبر أنه ليس في الإمكان شرح "مورسياس"، إذ على الزائر اختبارها بنفسه والوقوف وقتاً كافياً أمامها وملامستها ليحصل على شرح شخصي. وكل ما تثيره في نفسه كفنان ومصمم هو أنها تشبه أغشية الجسم البشري. ويقول كابول إن العامل الأساسي في عمل ضخم كهذا هو عملية هندسية معقدة تعتمد أصلاً على التمويل والوقت والمكان والقدرة على التنفيذ. جميع هذه المتطلبات وجدت، لهذا خرجت "مورسياس" إلى الوجود في شكلها الدراماتيكي. وإذا قرأت بين سطور حديث كابور، يبدو أن ليس هناك أي شيء يُفهم أو يُفسر من هذه التركيبة الحمراء العملاقة سوى قدرته غير العادية على ملء فراغ مسطح هائل في صالة محركات باردة، صمتت محركاتها منذ أربعين سنة ثم اقتلعت لتترك المسرح فارغاً ل"مورسياس". وبعد أسابيع من بدء عرض "مورسياس"، لا يزال بعض النقاد يكيل التهكم عليها ويصفها بالمادة الفنية الفارغة، فيما يثير بعضهم اعجابه بسحرها وشكلها الغريب الذي يقزّم كل شيء حولها. * معرض "مورسياس" لآنيش كابور يستمر حتى منتصف نيسان ابريل 2003 في معرض "تيت مودرن" في لندن.