بين مبررات اكثر من حزب سياسي مغربي للمشاركة في حكومة التكنوقراطي ادريس جطو افضلية خوض الانتخابات البلدية المقبلة من داخل السلطة وليس من خارجها. وفي حسابات التيار الاسلامي ممثلاً في "العدالة والتنمية" ان في البقاء في المعارضة وخوض منافسات الصيف المقبل اكثر تحرراً من قيود المشاركة تكمن طبيعة الرهان في التجربة المغربية خصوصاً على صعيد احتواء تنامي التيارات الاسلامية. قد يكون الفارق بين التعاطي الجزائري والمغربي مع الظاهرة ان انتخابات البلديات التي اكتسحتها جبهة الانقاذ الاسلامية جاءت سابقة للانتخابات الاشتراعية، ما قاد الى حل الجبهة ودخول الجزائر في دوامة العنف والاقتتال وانعدام الاستقرار. في حين ان موعد الانتخابات الاشتراعية التي سبقت انتخابات البلديات فتح عيون المغاربة الى تنامي الظاهرة، ما يفسر النزوع الى اسناد رئاسة الحكومة الى تكنوقراطي وفق اسبقيات تروم معالجة الملفات الاقتصادية والاجتماعية التي ينظر اليها كوعاء لتفريخ التطرف. وقد يصح الاعتقاد انه لولا ان نتائج الانتخابات الاشتراعية الاخيرة ادت المقصود منها وهي انها وفرت معرفة اوضح للخريطة السياسية الحقيقية في البلاد، فحملت "العدالة والتنمية" الاسلامي الى رتبة متقدمة كواحد من ابرز القوى السياسية لما احتاج الامر الى معاودة تعيين رئيس وزراء من خارج الاحزاب السياسية. لكن رهان السلطة في اختيار مسافة ابعد حيال تكييف نتائج الاقتراع كان له ثمنه. والاحزاب السياسية التي جادلت في تعيين رئيس حكومة من خارجها اذعنت في نهاية المطاف الى حقيقة انها لم تعد وحدها في الساحة السياسية، وان لاعباً جديداً برز بقوة ويمكنه ان يحدث مفاجأة اكبر في انتخابات البلديات كونها اقرب الى المشاغل اليومية للناس. في البرنامج الحكومي الذي عرضه رئيس الوزراء جطو لحيازة ثقة البرلمان بدا التركيز واضحاً على مقاربتين. الاولى اقتصادية واجتماعية تهتم بملفات الاسكان والصحة والتعليم وبطالة الشباب والرهان على الاستثمارات الداخلية والخارجية. والثانية امنية من خلال الاعلان عن تحسين اوضاع رجال الامن ونشر مراكز الشرطة على نطاق واسع. وعلى رغم ان منظور رئيس الحكومة للامن اقترن بحيثيات بناء الديموقراطية وفرض سلطة الدولة في اطار سيادة القانون، فإن الاحالة تبدو جلية ازاء احداث متفرقة عرفتها البلاد في الفترة الاخيرة اقربها شن المزيد من الحملات ضد المنتمين الى "السلفية الجهادية" و"التكفير والهجرة" من منطلق ممارسات ارتبطت بالعنف والجريمة، ما حدا "العدالة والتنمية" الى ان ينأى بنفسه بعيداً عن هذه الممارسات. المفارقة في الانتخابات الاخيرة في المغرب انها جاءت على خلفية هذه الحملات محلياً وفي غضون الانشغال الدولي بالحرب الدائرة ضد الارهاب، من دون اغفال البعد الاقليمي عبر استمرار ازمة الجزائر، الا ان التيار الاسلامي تمكن من احتلال موقع متقدم، وليس وارداً ان يتراجع في انتخابات البلديات الا بمقدار نجاح حكومة جطو في بعث الآمال لدى الشرائح الواسعة في المجتمع، لكن النموذج الجزائري يظل حاضراً في الاذهان، واقربه ان اسلاميي المغرب لا يريدون تكرار التجربة ويدركون انهم يتحركون في حقل من الالغام شعاره "لا ديموقراطية من دون ديموقراطيين" وان كان الصراع في جوهره قائماً بين المفاهيم، وليس فقط بين اسلاميين وعلمانيين.