أن يستغرق تشكيل الحكومة المغربية وقتاً أطول، أفضل من اللجوء إلى مراسم التعيين التي قد تحسم الموضوع في لحظة. لكن ضريبة الديموقراطية تحتم أن تستند الحكومة إلى غالبية نيابية، لا تتوقف عند تحالف الأرقام وإنما عبر تجانس الأفكار. وبالمقدار الذي كان المغاربة يعولون على اقتراع أيلول سبتمبر الماضي لاكتشاف مناطق الظل في الخريطة السياسية، بدا أن النتائج كانت أقل من الطموح. وفي مقدمها أن تمايز الخطاب بين الفرقاء السياسيين أصبح واقعاً، بين تيار يراهن على الحداثة في صورة علمانية محتشمة، وآخر يركز على الربط بين الدين والسياسة في توجه أقرب إلى الاعتدال وثقافة المشاركة منه إلى التشدد والمقاطعة. وربما كانت ميزة الانتخابات الأولى في عهد الملك محمد السادس أن الرغبة في التعرف إلى الخريطة السياسية توازت وقرار الحسم من خلال اختيار رئيس وزراء جديد لتشكيل الحكومة من خارج الفاعليات السياسية. والفرق بين التجربتين في الجزائر والمغرب، أن الأولى انطبعت بتعطيل المسار الديموقراطي، فيما الثانية آلت إلى اختيار مدني تكنوقراطي مع الحفاظ على التوجه الديموقراطي، انطلاقاً من وضوح الاختصاصات دستورياً. وحين عرضت المرجعية الرسمية إلى مفهوم المشروعية الديموقراطية في تدبير الشؤون العامة، كان واضحاً أن الموضوع يطاول عدم اقصاء أي فريق، وإن كان القانون المنظم للانتخابات وضع سقفاً بالأصوات التي تجب حيازتها لضمان الاستمرارية. وكانت المفاجأة أن "العدالة والتنمية" الإسلامي تحول إلى معادلة لافتة، وفهمت اشارة تعيين رئيس وزراء من خارج الاتحاد الاشتراكي بأنها دعوة مفتوحة إلى المشاركة في الحكومة. ولكن بالمقدار ذاته فهمت أولويات المرحلة التي تطرق إليها خطاب الملك في افتتاح الولاية الاشتراعية الجديدة ذات الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية، انها مرجعية البرنامج الحكومي. وبدا أن ترسيخ ثقافة المشاركة هو المرتكز... لا فرق في ذلك بين انفتاح الملك الراحل الحسن الثاني على أحزاب المعارضة السابقة ودعوتها إلى المشاركة في الحكومة كما اقترحها رئيس الوزراء السابق عبدالرحمن اليوسفي، وبين إصرار الملك محمد السادس على أن تعكس الانتخابات النيابية الأخيرة المكونات الحقيقية للخريطة السياسية في البلد، وان تكون المشاركة على خلفية "لا ديموقراطية لغير الديموقراطيين". الأكيد أن التجريب أفضل من الاقصاء، وكما أن فترة حكومة رئيس الوزراء السابق بددت المخاوف من دمج المعارضة في مربع الحكم - وكانت سابقة في العالم العربي - فإن المشروعية الديموقراطية التي عززها "العدالة والتنمية" الإسلامي عبر مضاعفة عدد مقاعده في مجلس النواب، تسير في اتجاه معادلة تبديد الجانب الآخر من المخاوف. وربما زاد في تعاظم الرهان ان العالم يتعاطى بحذر شديد مع الظاهرة الإسلامية، في حين يراهن المغرب على استيعابها من موقع المشاركة المسؤولة، في الحكومة أو المعارضة.