المانيا منذ هزيمة النازية مقيدة باتفاقات تبيح للأميركي المنتصر استخدام قواعدها العسكرية وأجوائها. والفرصة المقبلة متاحة في الحرب على العراق. أخيراً أقر المستشار شرودر بالوقائع التاريخية، فتراجع عن تشدده ضد الحملة العسكرية التي يتلهف عليها الرئيس جورج بوش، لأن ليس في يده حيلة. وهذه ضربة للمحور الألماني - الفرنسي الذي يراهن عليه الرئيس صدام حسين للجم اندفاع البنتاغون إلى حرب الخليج الثالثة. وقبل وصوله إلى بوشكين، قدم بوش للرئيس بوتين جزرة المصالح النفطية والاقتصادية في "عراق ما بعد صدام"، وإن كان الرئيس الروسي شارك ضيفه في انذار بغداد، رافضاً مجدداً حرباً أميركية منفردة، فهناك في موسكو من رأى في هذا الرفض قبولاً لدور في مرحلة ما بعد الغزو. ضربة ثانية لرهانات صدام، على رغم أن دروس الاغراء العراقي للروس، بعقود النفط والتنقيب عن حقوله، كانت دائماً كافية لاقناع بغداد بأن الكرملين بعد الاتحاد السوفياتي جاهز للالتفاف 180 درجة، في اللحظة الأخيرة... فالشقيق الأكبر في البيت الأبيض هو الذي يفرض شروط الشراكة، ويوزع الحصص في العالم. "لا ميونيخ ولا يالطا بعد اليوم"، قال بوش، وهو يشيد ب"أعظم حلف" أطلسي، سيؤمّن لإدارته الغطاء الكافي لتجاوز الأممالمتحدة في الحرب على العراق. ساوى بين الإرهابيين والنازيين والشيوعيين، فيما يبحث عن دليل "دامغ" لاتهام صدام بالإرهاب أو دعمه بأسلحة الدمار الشامل لتبرير حرب الخليج الثالثة، باسم شرعية دولية لأن الأممالمتحدة "عاجزة" عن الدفاع عنها. وبعد شرودر وبوتين، هل يصمد الرئيس شيراك وحيداً في صد مساعي البيت الأبيض لمصادرة تلك الشرعية، واحتكار النطق باسمها، بالقوة؟ أياً يكن الجواب، واضح أن التلهف الأميركي على حرب في الخليج، قد تنتهي بتغيير خرائط، لم يترك حيزاً من الوقت لتنفجر الغام القرار 1441 سريعاً، حتى قبل أن يعود المفتشون إلى بغداد. والأكيد أن مشكلة شيراك مع الشريك بوش ليست كأزمة صدام مع الرئيس الأميركي، وإن كانت ساحة المواجهة واحدة. الأول لا يريد للولايات المتحدة العظمى أن تبتلع كل أوروبا تحت ستار رص الصفوف في مواجهة العدو الجديد، الإرهاب، والثاني يقاوم في اللحظات الأخيرة لمنع قضم ما تبقى له من سلطة في العراق. الأول كان يراهن على الصمود الألماني - الروسي لحماية حلم أوروبا مستقلة، بعيدة عن تهور "الصقور" في واشنطن الذين عاملوها بغطرسة منذ هجمات 11 أيلول سبتمبر، ووصموها بالتخلف... أما الثاني فحلمه أصغر بكثير، لذلك لم تعد تجدي محاولات تجميل نظامه في ربع الساعة الأخير. ومشكلته مرض عضال، حتى لو صدَقَ لا أحد يصدقه، أما الكذب الأميركي فالجميع مضطر أن يقبضه كحقيقة ناجزة، ولو انتهى به الأمر إلى المشاركة في قتل أبرياء، والسير في جنازتهم. إن كان أحد لا يصدق صدام، فالأكيد أن كثيرين في المنطقة والعالم لا يصدقون الكلام الجميل الذي أجاد به بوش بعد توسيع "أعظم حلف" في قمة براغ. لا يالطا ولا ميونيخ في أوروبا، ولكن، ماذا عن الخليج والشرق الأوسط؟... هناك كان الأميركي الحليف الأول، وبات مطارداً يبحث عن أمنه. استقرار المنطقة في ظل صدام وأسلحته، أم الأمان للأميركي واستقراره هو السؤال؟ سؤال للحرب المقبلة، لن يجيب عنه مفتشو الأممالمتحدة.