يترأس صباح اليوم الرئىس الفرنسي جاك شيراك اجتماع "باريس -2" لمساعدة لبنان على التخفيف من عبء خدمة دينه الذي يمثل نحو 3 بلايين دولار سنوياً أي 70 في المئة من موازنة الدولة. واعتبر رئيس الحكومة اللبنانية رفيق الحريري ان المؤتمر يعتبر "خطوة كبيرة على طريق خفض العجز في الموازنة وإعادة هيكلة خدمة الدين العام ويشكل فرصة مهمة للتشجيع على الاستثمار وتحريك الاقتصاد اللبناني وخلق فرص جديدة للعمل". ودعا الحريري، امام الوفد الاعلامي اللبناني في باريس الى الافادة من هذه الفرصة، والتعاطي بايجابية مع الحاضنة العربية والدولية للمؤتمر التي وفرها للبنان، صديقه شيراك "الذي يتعاطى معنا بمحبة وأخوة لكثرة حرصه على بلدنا"، مشدداً على "التزام الحكومة تطبيق التدابير والاجراءات التي اتخذتها لتأمين مواكبة جدية ومثمرة لآلية العمل التي سيخرج بها المؤتمر". وإذ رفض الحريري الدخول في الارقام التي ينتظر ان يوفرها المؤتمر للبنان، سأل امام الصحافيين: "لماذا كل هذه العجلة؟ اليوم، في ختام المؤتمر، ستعرفون كل التفاصيل". ويسعى شيراك عبر حضور دولي رفيع من دول عربية خليجية وحكومات اوروبية وكندا واليابان والولايات المتحدة وماليزيا وصندوق النقد الدولي والبنك الدولي والصناديق العربية الى توفير مبالغ تعين لبنان على خفض خدمة دينه. وتوقعت مصادر مطلعة ان تتفاوت هذه المبالغ بين 9،1 بليون دولار كحد أدنى ونيف وبليوني دولار، كقروض مضمونة من الدول بفوائد مخفوضة او ودائع في البنك المركزي اللبناني. فحجم الدين اللبناني العام بلغ 30 بليون دولار منها 18 بليون دولار بالليرة اللبنانية و12 بليوناً بالعملة الاجنبية. وحجم الدين العام لمصلحة المصارف اللبنانية في لبنان يبلغ نحو 56 في المئة من اجمالي الدين. وقال الحريري للوفد الاعلامي اللبناني رداً على سؤال عن كيفية مساهمة الدول والصناديق المالية العربية والاجنبية المدعوة الى "باريس -2" في دعم الاصلاح المالي: "لا شيء اسمه وديعة مالية بالمطلق تودع في المصرف المركزي وانما ستقوم وزارة المال باصدار سندات خاصة تتيح للدول المساهمة المقدرة على التكيف مع انظمتها المالية، من خلال الاكتتاب في سندات خزينة، بفوائد اقل ولمدة اطول او ضمان القروض التي ستتولى وزارة المال التفاوض عليها مع مصارف هذه الدول التي ستوفر القروض". وأضاف: "ان لبنان يحترم تواقيعه وتعهداته"، مؤكداً صدقية الدولة حيال التزاماتها وتحديداً خفض العجز في الموازنة وعدم ادخال اي تعديل على موازنة العام المقبل، مشيراً الى "ان الفرص تبقى متوافرة للبنان طالما هناك ارادة حية وجدية في التعاطي مع المجتمع الدولي". ولفت الى "ان امام الحكومة بعد المؤتمر الكثير من الخطوات التي ستقوم بها وتحديداً في مجال الاصلاح الاداري". وأكد الحريري أن التأخر في انجاز الخصخصة لا يعني ابداً صرف النظر عنها، وقال: "ان خصخصة الخلوي لم تكن شرطاً لعقد باريس -2 وانما كانت خطوة لهذا المؤتمر في سياق التصدي للعجز ومعالجته". وشدد على ان الورقة اللبنانية التي سيقدمها اليوم الى المؤتمر "تنص على أن عائدات الخصخصة ستوضع في صندوق الحساب الخاص لمعالجة الدين العام، للبدء باطفاء جزء منه". ولفت الى "أهمية التوافق الرئاسي في لبنان الذي من شأنه ايجاد مناخ ايجابي يساعد على الاستعداد لمرحلة ما بعد باريس -2". وهو قائم مع رئىس الجمهورية اميل لحود من خلال مجلس الوزراء، ومع المجلس النيابي و"لا يعني ان احداً منا في وارد توظيفه في غير محله"، في اشارة الى الذين يبدون حذراً حيال هذا التعاون ويصنفونه في خانة تقاسم الحصص". ورداً على سؤال قال الحريري ان المؤتمر وان كان يشكل فرصة مهمة للبنان، فإنه في المقابل يتطلب من اللبنانيين التعاون لترجمة هذه الفرصة عملياً. وأكد انفتاح الحكومة على الجميع "للاستماع الى كل من لديه رأي بناء لكن اتمنى على الذين سارعوا قبل معرفة ما سيؤول اليه المؤتمر الى التشكيك بجدواه في التأسيس لانقاذ البلد من الاعباء التي يرزح تحتها، ان يتقدموا بالبدائل، وكفى البلد في هذه المرحلة الدقيقة التي يجتازها تسجيل المواقف وتبادل الاتهامات وبات على الجميع ان يعطي بلده الفرصة لتوظيف الاهتمام العربي والدولي بمشكلاته المالية، في المجالات التي تخدم الاهداف المرجوة من المؤتمر. وأوضح رداً على الذين كانوا يطالبون منذ اكثر من سنة بخفض اسعار الفائدة: "ان مثل هذا المطلب لم يكن قابلاً للتطبيق ما دامت الحكومة في حاجة الى المال، وكان سيؤدي الى احجام رؤوس الاموال وهروبها. والحل يكمن في اراحة السوق من خلال وقف الدولة استدانة المال ما يسهم في تحقيق الاستقرار النقدي وطمأنة المودعين. وعندها يتم خفض نسبة الفائدة بصورة طبيعية وعادية". سلامة من جهة ثانية، سألت "الحياة" حاكم مصرف لبنان رياض سلامة عن تأثير حصول لبنان من "باريس -2" على نحو 9،1 بليون دولار الى اكثر من بليونين فقال: "وجود تمويل خارجي بهذا الشكل يوجد ارتياحاً في السوق المحلي وهذا بدأ منذ فترة، مع شعورنا بتحسن الاسواق في الاسبوع الاخير اذ انها كانت جيدة. مثل هذه النتائج توجد ارتياحاً لأنها تعطي للبنان امكان تسديد دينه بالعملة الاجنبية وبالعملة اللبنانية بفوائد اقل. وهذا جزء من عملية متكاملة مع التوقعات من الخصخصة والتسنيد التي ستأتي بأموال اضافية، فضلاً عن تنفيذ موازنة 2003 التي تخفض العجز. وعن عدم الاستجابة لطلب صندوق النقد اعادة هيكلة الدين اللبناني مع البنوك وخفض الفوائد مثلما اقترح منذ حوالى سنة النائب نسيب لحود قال سلامة: "عندما تحدث نسيب لحود لم يكن الامر ممكناً، لأن المعطيات لم تكن موجودة لخفض الفوائد على حجم المال الموجود من دون خلق مشكلة خروج اموال حتى على ميزان المدفوعات وعلى العملة. وما كان مطروحاً في حينه كان مستوحى من النهج الارجنتيني والبرازيلي الذي بموجبه خفضوا الفوائد قسرياً ما ادى الى انهيارات كبيرة. وأضاف: "عندما طرح الاقتراح كان المصرف المركزي وحده يشتري سندات بالليرة اللبنانية ولم يكن احد في السوق يشتري فكيف يتم خفض الفائدة. اما اليوم فالوضع يختلف بعد "باريس -2" اذا كانت الالتزامات مقنعة للسوق فلا شيء يمنع الاتفاق مع المصارف على خفضها".