اعتبر الأمين العام للأمم المتحدة كوفي أنان يوم الثلثاء الماضي ان قيام العراق باطلاق النار على الطائرات الأميركية والبريطانية التي تحلق في منطقتي الحظر الجوّي شمال العراق وجنوبه لا يشكل انتهاكاً لقرار مجلس الأمن الدولي الرقم 1441، بعدما كان وزير الدفاع الأميركي دونالد رامسفيلد اعتبر ان اطلاق النار هذا يعد انتهاكاً للقرار. وخلفية موقف أنان ان القرار 1441 يعنى فقط بالانتهاكات التي يمكن ان تنجم عن إعاقة أعمال التفتيش عن أسلحة الدمار الشامل في العراق ولا يتناول منطقتي الحظر الجوّي. وما من شك في ان كلام أنان هذا يفسد لواشنطن خطتها. فهي منذ التصويت بالاجماع على القرار 1441، الذي حرمها نظرياً، من حق توجيه الضربة العسكرية التلقائية لبغداد، وربطها بقرار جديد من مجلس الأمن استناداً الى تقرير فريق المفتشين، بدأت تهيئ لتوفير الذرائع التي ستستند اليها من أجل استصدار القرار الجديد لشن عملياتها العسكرية، بعد انتهاء مهلة عمل المفتشين أواخر شهر شباط فبراير المقبل. وكانت واشنطن تنوي، في حال "نجح" العراق في عدم توفير الذرائع لها، افتعال هذه الذرائع ومنها استفزاز العراق من أجل إطلاق النار على طائراتها في منطقة الحظر الجوي. ومع ان واشنطن قادرة على تجاوز موقف أنان، اذا أرادت، لاحقاً، لاستعمال هذه الذريعة، فإنها تعمل ايضاً على توفير الذرائع في مجالات أخرى، لتبرير استصدار قرار الحرب بدءاً بمطابقة اللائحة التي يفترض ان تقدمها بغداد عن انتاجها من الاسلحة، مروراً بأسلوب تفتيش القصور الرئاسية، انتهاء باستجواب عدد من العلماء والفنيين العراقيين حول أسلحة الدمار الشامل... الخ. لم يتأخر رامسفيلد في الرد على تصريحات أنان مستخفاً باسقاطه ذريعة منطقتي الحظر الجوي، قائلاً: "لا أدري اذا كان أنان يعكس رأي مجلس الأمن...". وصقور الادارة الأميركية يعتقدون ان في إمكان واشنطن ان "تبدّل" رأي الأمين العام. ولهم تجارب في هذا الصدد، منها ارسال فريق تقصي الحقائق الى جنين بعد المجزرة التي ارتكبها الاسرائىليون هناك، الذي حملت الضغوط الأميركية - الاسرائىلية أنان على العودة عنه والاكتفاء بتقرير جاءت نتيجته غامضة... وكيف لا يتصرف هؤلاء الصقور على هذا الأساس، اذا كانت الادارات السابقة، الأقل "أحادية" في سياستها الدولية، من الادارة الحالية، نجحت في معظم الاحيان، في اخضاع الأممالمتحدة خلال العقدين الماضيين؟ ويعتقد الصقور أنهم "أوْلى" من تلك الادارات في تحقيق تبعية الأمانة العامة ومجلس الأمن والمنظمة الدولية لهم. مناسبة تصريح أنان وردّ رامسفيلد عليه يطرحان المفارقة بين تقويم الدول الكبرى الدائمة العضوية في مجلس الأمن وغيرها من الدول للنجاح في تأمين الاجماع حول القرار 1441 وبين التقويم الأميركي لهذا النجاح. فبينما اعتبرت أوروبا والدول العربية والدول غير الدائمة العضوية في المجلس انها استطاعت بفعل مواقف فرنسا بالدرجة الأولى وروسيا والصين حمل واشنطن على حد أدنى من التعاون الدولي ما أجّل الحرب على العراق، فشكّل ذلك انتصاراً لوزير الخارجية كولن باول، يرى الصقور الأميركيون غير ذلك. فمنطقهم يؤدي بهم الى الاقتناع بأن سياستهم الأحادية هذه كإمبراطورية جديدة نجحت "لأن الآخرين وافقوا عليها"... بل هم يرون أنهم بالقرار 1441 أتاحوا للدول الاخرى ان تشاركهم في الحرب ضد العراق كي تحفظ مصالحها السياسية والاقتصادية في المنطقة، بعد هذه الحرب. ولعلّ هذه النظرة للتعاون الدولي هي التي يسعى الرئيس جورج بوش الى ترجمتها في اجتماع حلف الناتو في براغ.