كان الدكتور هانز بليكس، رئيس فريق التفتيش الدولي في طريقه الى العراق أمس، غير ان مهمته الصعبة في البحث عن أسلحة الدمار الشامل ليست مهمته الوحيدة، فالولاياتالمتحدة لا تريد ان ينجح، إن في اكتشاف هذه الأسلحة، أو في إثبات عدم وجودها، لأنها تفضّل خوض حرب ضد العراق لأسباب اسرائىلية خالصة، أو محلية أميركية. ذهاب صدام حسين ضروري ليرتاح شعب العراق، غير ان ادارة الرئيس بوش لا تعمل من أجل راحة هذا الشعب أو فائدته. وما أخشى شخصياً اننا جميعاً، وقد طالبنا بإزاحة صدام حسين، قد نصل الى يوم نقول فيه: رب يوم بكيت منه... كنت سأشعر بثقة أكبر في النيات الأميركية لولا متابعتي اليومية عمل ادارة بوش، ففكرة ضرب العراق طرحها أنصار معروفون لاسرائيل، بعضهم دخل الإدارة وخرج منها وعاد لدعم اسرائيل فقط، مثل نائب وزير الدفاع بول وولفوفيتز، وصديقه وحليفه رئيس مجلس سياسة الدفاع ريتشارد بيرل، ومعهما مجموعة معروفة من الكتّاب الليكوديين العنصريين تعبت من تسجيل أحقادها على العرب والمسلمين، لا العراق وحده. واذا اعتقد القارئ ان هذا رأيي وحدي فهو مخطئ، وأنا أكتب وأمامي أخبار وتقارير عن جانبي المحيط الأطلسي، كلها تقول أولاً، ان المفتشين يواجهون معركة على جبهتين، وثانياً، ان الادارة الأميركية تفضّل استخدام القوة. لم أكن أعرف عن الدكتور بليكس سوى خلفيته وزيراً لخارجية السويد وفي لجنة الطاقة الذرية، قبل ان يعين رئيساً للجنة المراقبة والتحقق والتفتيش، غير ان ثقتي به تعززت عندما قرأت عن محاولات وولفوفيتز وأمثاله "زحلقته". ونشرت الصحف الأميركية قبل أيلول سبتمبر ان وولفوفيتز طلب من وكالة الاستخبارات المركزية سي آي إيه معلومات ضد بليكس، وعندما عجزت الوكالة عن الطلوع بمعلومات تدينه أو تنتقص من قدرته ثار وولفوفيتز أو "ضرب السقف" بحسب تعبير احدى الجرائد. بليكس ومعه السيد محمد البرادعي، رئيس لجنة الطاقة الذرية الدولية، وفريق من الفنيين يضم 25 رجلاً. وسيتبعهم 12 خبيراً في السلاح في 27 من هذا الشهر عندما يبدأ التفتيش الرسمي، ثم يصل حوالى 80 مفتشاً آخر في الأسابيع التالية. والفريق كله يتألف من 270 شخصاً، بينهم 27 أميركياً. لا أعرف ماذا سيجد المفتشون أو لا يجدون، ولكن أعرف ان الأمين العام للأمم المتحدة كوفي أنان شكا الأسبوع الماضي من ان الولاياتالمتحدة تبدي قلة صبر، وقال ان المطلوب من المفتشين التفتيش لا توفير الذرائع لشيء آخر... ويقصد الحرب. أغرب ذريعة طلعت بها الولاياتالمتحدة وبريطانيا في الأيام الأخيرة هي ان القرار 1441 يمنع العراق من إطلاق النار على الطائرات الأميركية والبريطانية في منطقتي حظر التحليق في شمال العراق وجنوبه. ولكن هذا كذب واضح، فالقرار لا ينصّ على شيء من هذا، ثم ان منع التحليق في الشمال والجنوب فرضته الولاياتالمتحدة، لا أي قرار دولي مباشر. وقد قتل الأميركيون سبعة مواطنين عراقيين في غارة الأسبوع الماضي، ومع ذلك فاذا ردّت الدفاعات الجويّة العراقية على الغارة، يصبح العراق معتدياً لا الولاياتالمتحدة. المشكلة في كل ما سبق ان جورج بوش "دهن نفسه في زاوية"، كما تقول العبارة الانكليزية، فهو وضع نفسه في مكان لا يستطيع الخروج منه، بعد ان وعد أو أوعد بإطاحة صدام حسين، حتى أصبح ذلك جزءاً من سياسة ادارته. وفي حين هناك ألف سبب لإطاحة صدام حسين فإن أسلحة الدمار الشامل أو الإرهاب الدولي ليس منها، لأن اسرائيل تملك أسلحة نووية مؤكدة وهي دولة عنصرية توسّعية نازية، ولأن النظام العراقي لم يتّفق يوماً ولا يمكن ان يتّفق مع أمثال "طالبان" و"القاعدة". مع ذلك ادارة بوش تقدّم الكذبة تلو الكذبة لأنها في حاجة الى إطاحة صدام حتى يستطيع جورج بوش ان يخوض انتخابات الرئاسة 2004 بقوّة، وان يضمن الفوز بها، بعد ان أعطته المحكمة العليا الرئاسة قبل سنتين على رغم ان منافسه آل غور حصل على أكثر من نصف مليون صوت من الأصوات الشعبية أكثر من المرشح الجمهوري. في هذا الوضع، فإطاحة نظام عربي لحماية اسرائيل، أو خدمة مصلحة انتخابية أميركية، استباحة لكل العرب والمسلمين، يجب رفضها بحزم ومقاومتها، لأن العراق وشعبه، نعم شعبه، بداية والبقية تأتي.