من الأمور البديهية ان الحروب تستنفد طاقات وموارد الشعوب والدول في كل مكان تنشب فيه، إذ تتحول غالبية موارد الشعوب لتصبّ في خانة الإنفاق على هذه الحروب. لكن، من البديهي أيضاً أن الحروب في التاريخ تعقبها دائماً طفرة أو ازدهار اقتصادي. غير أن هذا الازدهار الذي يعقب الحروب لا يحدث عادة في كل مكان وبنفس الوتيرة، إذ أن الدول الصناعية المتطورة هي التي تحوز حصّة الأسد من هذه الأرباح. لهذا، فجميع الحروب التي وقعت في أصقاع مختلفة من العالم العربي استنفدت طاقات الشعوب العربية وجرّت معها ازدهاراً في الدول الصناعية بعيداً عن المنطقة العربية. معنى هذا أن الحروب في الوطن العربي لا يمكن أن تأتي بخير على العرب، انما المستفيد منها هو العالم الصناعي، أي الغرب، أميركا وأوروبا بما فيها روسيا، والشرق الأقصى، اليابان وسائر الدول الصناعية هناك. والمستفيد من هذه الحروب أيضاً هو تلك الأنظمة العربية المستبدة التي حوّلت النزاعات والحروب الى وسيلة للإبقاء على زمرها المستبدّة. هل هي صدفة أن الأصل اللغوي للحرب والربح هو نفسه في اللغة العربية؟ غير أنّنا نرى أنه ليس صدفة أيضاً أن بلاد العرب تستحوذ على المجال الدلالي للحرب، بينما يأخذ الغرب الصناعي هذا الأصل ويبدله تبديلاً ليخرج الى المجال الدلالي للربح منه فيستحوذ عليه. فما يقارب أربعين الى خمسين في المئة من الصادرات العسكرية الأميركية والبريطانية تذهب الى منطقة الشرق الأوسط، ولا شكّ أن هذه النسب لم تتغيّر في السنوات الأخيرة، بل قد تكون ارتفعت. ماذا يعني هذا؟ الإجابة عن ذلك في غاية البساطة. إذا كانت هذه الأرقام صحيحة، لا يمكن ان تكون هنالك مصالح لهذه الدول المصدّرة للأسلحة في أن يستتب السلام وتتوقف الحروب في هذه المنطقة، وفي هذه المنطقة بالذات. وقد يكون عكس ذلك هو الصحيح، والسبب من وراء ذلك لا يستعصي على الأفهام. قد يسأل سائل، لماذا هذه المنطقة بالذات دون مناطق أخرى في العالم؟ وهو سؤال في محلّه، لكنّ الإجابة عنه سهلة للغاية. قد تُفتعل حروب في مناطق أخرى، أفريقيا مثلاً، أو جنوب أميركا. لكن ما الجدوى من حروب تنشب في تلك المواقع لشركات ومصانع الأسلحة. قد يتمّ تزويد أسلحة لتلك الشعوب والبلدان، لكن تلك البلدان لن تستطيع تسديد فواتيرها، وتُجار الحروب ليسوا بهذه الدرجة من الغباء. وفي حال كهذه، تبقى أمامهم منطقة الشرق الأوسط الساحة المركزية إن لم يكن الوحيدة للحروب التي تزدهر معها مصانع الأسلحة الثقيلة في العالم الغربي. هذه المنطقة هي الوحيدة التي تستطيع ان تدفع ثمن هذه الأسلحة بسبب المخزون النفطي الهائل فيها. إذن، كل الذين يفتعلون الحروب في الشرق الأوسط هم في نهاية المطاف أعوان، إن لم نستخدم تعابير أكثر قسوة، لأميركا وحلفائها الذين يجنون أرباح هذه الحروب على حساب شعوب المنطقة. فلو افترضنا ان الحروب توقفت هنا وجنحت الشعوب الى السلم، ولم تعد تقتني الأسلحة وتنفق مواردها على هذه الحروب البائسة، فمن يكون الرابح والخاسر في حال كهذه؟ والإجابة في غاية البساطة أيضاً. الرابحة هي شعوب المنطقة، بينما الخاسرون هم أرباب تجارة السلاح في أميركا وبريطانيا وروسيا وغيرها من الدول المنتجة لأسلحة الموت التي تحاول تبديل ترساناتها العسكرية كل عقد أو عقدين على حساب هذه الشعوب المغلوبة. من هنا ففلسفة السلام في هذه المنطقة هي هي الفلسفة الثورية التي ستُبقي الأسلحة يعلوها الصدأ في مخازن أميركا وبريطانيا وروسيا وسائر صنّاع الموت. غير أن فلسفة كهذه بحاجة الى دعاة ثوريين يشرحونها لشعوبهم، لا الى مرتزقة لدى أنظمة تُخلّد الاستبداد.