ليس فرضاً أن تتطابق النظم وإدارة الحكم بين الدول، لأن لكل غاية أهدافاً ترسمها الشعوب، وحتى النظم المخالفة، أو ما يقال إنها دكتاتورية تسلطية قد تصلح لشعوب أكثر من الفوضى التي تحدثها التقاليد الديموقراطية المنسوخة، والتي لا يمكن تطبيق نظمها. بالوقت الراهن تدور معارك سياسية بين أوروبا وأمريكا، من جهة، وبين روسيا التي يعتبرها خصومها، وفي عصر (بوتن) تحديداً عودة للقيصرية والدكتاتورية، وان الشعب الروسي الذي تعددت نقلاته من حكم العائلة إلى الشيوعية الشمولية، ثم الفوضى غير المنظمة بعد زوال الاتحاد السوفياتي بعصر يلتسن، لم يتهيأ للديموقراطية، لكن مع تحسن الظروف الاقتصادية، ووقف النهب، وإدارة الحكم بقوانين المافيا التي حاولت الاستيلاء على المال العام، وإلحاق روسيا بذيل الغرب، جعل (بوتن) رمزاً لدكتاتور بصيغة جديدة، لكن مع افتراض أن هذا صحيح، ألا يوجد انسجام بين الشعب وسلطته، وأن الرئيس الذي ترك كرسي الرئاسة يُعدُّ النموذج الإصلاحي، لدولة لا بد أن تمر بمرحلة التهيئة قبل القفز على الحواجز بتقليد النظام الغربي، الذي لا يوجد له قاعدة شعبية ثقيلة؟ أم أنها المسألة الأكبر أن قيام روسيا القادمة بإمكاناتها الضخمة الاقتصادية والعسكرية والبناء العلمي الذي يحتاج فقط للتخطيط والدعم، هي أدوات الصراع الذي أعاد حرباً باردة بظروف مستحدثة، وأساليب تدخل ضمن فلسفة رفض القطبية للتعددية بين أعضاء القوة الغرب، وروسيا؟ وإذا عدنا للتاريخ الحديث، وغير البعيد، ألم يكن فرانكو دكتاتورياً وكذلك نظام اليونان المائل للشرق وقت السوفيات، وكذا البرتغال، وكان حصارهما والصمت على نظمهما يأتيان بدواعي أن لا تسقط هذه الدول في فخ المنظومة اليسارية؟ وحتى مشروع "مارشال" بعد الحرب العالمية الثانية، لم يكن منحة مجانية من أمريكا، وإنما نتيجة حسابات أن لا تنزلق أوروبا وتلحقها اليابان المقهورة من تدمير السلاح النووي إلى الجانب السوفياتي المضيء، في ذلك الوقت، أيديولوجياً وبطولته بعد هزيمة النازية؟ الصين التي يقوم نظامها على تحالف شيوعي - رأسمالي، إن صح التعبير تجد خيارها الراهن، وربما المرحلي، أن يصبح الرأس مكرساً للرقابة والحراسة حتى لا تتفتت الدولة الكبرى، بينما الجسم رأسمالياً يلبي احتياجات التنمية والاستثمار، ومع ذلك يبقى نظامها أقل تعرضاً للنقد من الدولة الروسية التي هي خليط من دكتاتورية منظمة وديموقراطية بانفتاح محدود. خيارات الشعوب، حتى لو كانت بنسب معقولة لنظمها ودساتيرها، لا تفرض من خارجها، وحتى القبول بمصطلح "المستبد العادل" إن وجد، فهي صيغ توضع ضمن هياكل الدول، وقد جربت التنانين الآسيوية هذا النظام ونجحت، بينما اخفقت دول أوروبية مثل البلقان، وبعض نظم أوروبا الشرقية، ما بعد الشيوعية، وتلك مسائل لا توضع ضمن النجاح أو الاخفاق، إلا في إطار خياراتها ونجاحها.