تنذر تداعيات انسحاب حزب العمل الاسرائيلي من حكومة ارييل شارون الائتلافية وسعيه الى تشكيل حكومة أقلية يمينية متطرفة بانقلاب جذري قد يؤثر في صورة الدولة العبرية امام العالم. إذ تشير المصادر الاسرائيلية الى ان شارون ينوي تعيين رئيس اركان الجيش الاسرائيلي السابق شاؤول موفاز الذي اختصر زيارته لبريطانيا خشية القبض عليه بتهمة ارتكاب "جرائم ضد الانسانية" وزيرا للدفاع بدلا من بنيامين بن اليعيزر، ورئيس حزب "الاتحاد الوطني اسرائيل بيتنا اليميني المتطرف افيغدور ليبرمان وزيرا للخارجية، الامر الذي يرى فيه الفلسطينيون تعبيرا حقيقيا عن السياسة المتشددة لرئيس الوزراء الاسرائيلي الذي يواجه احتمالات بحجب الثقة عن حكومته الاثنين المقبل. شرع رئيس الوزراء الاسرائيلي ارييل شارون الذي فقدت حكومته تأييد غالبية في البرلمان الاسرائيلي الكنيست بعد انسحاب حزب العمل منها بسلسلة من المشاروات والاتصالات لتشكيل حكومة ضيقة تستند الى الاحزاب اليمينية المتطرفة وتضم الجنرال شاؤول موفاز وافيغدور ليبرمان على يساره بعدما ابلغ شارون الرئيس الاسرائيلي موشيه كتساف مساء الاربعاء انه يفضل محاولة تشكيل حكومة ضيقة بهدف المصادقة على موازنة الدولة في القراءتين الثانية والثالثة لتمريرها نهائيا. ورأى مراقبون ان شارون يريد ان يخوض الانتخابات الداخلية في حزب "ليكود" الذي يتزعمه من موقع "المنتصر والقوي" للتغلب على منافسه بنيامين نتانياهو من خلال تمرير الموازنة اولا. ولا يحظى شارون الآن إلا بتأييد 55 من اعضاء الكنيست الاسرائيلية ال120، الامر الذي يهدد حكومته بالسقوط في تصويت حجب الثقة المقرر اجراؤه الاثنين المقبل. وقالت مصادر اسرائيلية ان شارون سيركز اتصالاته مع حزب "الاتحاد الوطني - اسرائيل بيتنا"، بزعامة اليميني المتطرف ليبرمان الذي يشغل حزبه سبعة مقاعد في الكنيست ما يضمن استمراره في الحكم حتى موعد الانتخابات المقررة في تشرين الاول اكتوبر 2003. ولضمان قبول ليبرمان الانضمام الى الحكومة الضيقة، تردد في الاوساط السياسية الاسرائيلية ان شارون سيعرض منصب وزير الخارجية على ليبرمان بدلا من شمعون بيريز الذي قدم استقالته مع وزراء حزب العمل من الحكومة أول من امس. ولم ترفض كتلة ليبرمان في اجتماع لاعضائها عقد مساء الاربعاء فكرة الانضمام الى حكومة شارون الضيقة ولكنها اشترطت "تغيير سياسية الحكومة التي قادها بيريز وبن اليعيزر" في اشارة الى مطالبتها بمزيد من التشدد. ونقل عن مصادر في وزارة الخارجية الاسرائيلية انتقادها الشديد لتعيين ليبرمان المعروف بآرائه اليمينية المتشددة وزيراً للخارجية، واشارتها الى "العواقب الكارثية على صورة اسرائيل في المحافل الدولية" بسبب مثل هذا التعيين. ونشط بيريز خلال الشهور ال19 الماضية في اطار حكومة شارون ديبلوماسيا "للعلاقات العامة"، وشكل، بصفته مهندس اتفاقات اوسلو المرحلية مع الفلسطينيين، غطاء سياسياً لشارون. ولم تحسم بعد مسألة تعيين ليبرمان في منصب وزير الخارجية، ويتردد اسم رئيس بلدية القدس ايهود اولمرت ليكود لهذا المنصب. وأكدت مصادر قريبة من شارون ان الاخير طلب من رئيس اركان جيشه السابق موفاز تولي حقيبة الدفاع. وقالت مصادر اسرائيلية ان موفاز غادر بريطانيا التي كان يزورها لجمع تبرعات للدولة العبرية على عجل بناء على توصيات من السفارة الاسرائيلية في لندن خشية ان تعتقله الشرطة البريطانية بتهمة "ارتكاب جرائم حرب" وفقا لعريضة اتهام ضده قدمها محاميان بريطانيان هما ميشيل عبدالمسيح وعمران خان. واكد ارنون بيرلمان مساعد شارون ان موفاز قبل عرض رئيس الوزراء، لكنه لم يؤكد الانباء التي اشارت الى ان رئيس الأركان السابق سيتسلم مهماته الاثنين المقبل بعد عرضه على الكنيست. ونقل عن شارون قوله انه "لا يمكن ترك منصب وزير الدفاع شاغرا ولو ليوم واحد في الوقت الذي تصلنا فيها تحذيرات ساخنة عن عمليات فلسطينية". وبهذا التعيين، يضمن شارون وجود موفاز الى جانبه في الانتخابات الداخلية لحزب "ليكود" ضد بنيامين نتانياهو خصمه الاكبر الذي عمل في الشهور الماضية على استمالة رئيس اركان الجيش الاسرائيلي السابق الى معسكره داخل الحزب، كما يقطع الطريق امام احتمالات عودة بن اليعيزر الى الحكومة في حال فوزه في انتخابات حزب العمل الداخلية بعد ثلاثة اسابيع. وشغل موفاز منصب رئيس اركان الجيش الاسرائيلي في اوج الانتفاضة الفلسطينية وعمل بتناغم كامل مع سياسة شارون. وموفاز هو مهندس معظم الحملات العسكرية ضد الفلسطينيين بدءا من "حقل الاشواك" وانتهاء ب"السور الواقي" التي اعاد الجيش الاسرائيلي بموجبها احتلاله للمدن الفلسطينية الواقعة تحت سيطرة السلطة الفلسطينية. وعقب بن اليعيزر على تعيين موفاز وزيرا للدفاع لاذاعة الجيش الاسرائيلي بأنه "كان سريعا جدا". وفي المقابل، يسابق شارون الزمن في محاربته على الجبهة الثانية، وهي احتمال حجب الثقة عن حكومته الاثنين المقبل بطلب من احزاب المعارضة في الكنيست. وفيما يرفض حزب "شينوي" اليميني العلماني ستة مقاعد الانضمام الى حكومة فيها حزبا "شاس" و"يهودات هتوراة" المتدينين، يراهن شارون على ان يوفر هذا الحزب "شبكة امان" لحكومته في عملية التصويت على حجب الثقة من الخارج. واعتبر الفلسطينيون التطورات الناشئة في الحكومة الاسرائيلية "مؤشرا آخر الى ابتعاد السياسيين الاسرائيليين اكثر فاكثر عن اجواء السلام"، حسب قول وزير الحكم المحلي صائب عريقات، في حين وصف وزير الاعلام والثقافة الفلسطيني ياسر عبد ربه الحكومة الاسرائيلية المقبلة بأنها "اقصى الجنون الاسرائيلي"، مضيفا انه "اذا قبل بها الشعب الاسرائيلي، فستكون هذه الحكومة خارجة عن القانون". لكنه أضاف: "في ظل الحكومة الحالية والسابقة كانت القيادة لحزب ليكود وللاتجاه اليميني المتطرف، وحزب العمل تواطأ بالكامل مع هذه السياسة". ويرى الفلسطينيون ان من شأن حكومة يمينية ضيقة ان تسرّع عمليات التوسع الاستيطاني اليهودي في الاراضي الفلسطينية وتعزز التيار السائد في الحكومة الاسرائيلية المعارض للعودة الى طاولة المفاوضات مع الفلسطينيين. الى ذلك ا ف ب، امتنع البيت الابيض عن الادلاء بأي تعليق اول من امس على الوضع السياسي في اسرائيل. وقال الناطق باسم البيت الابيض آري فلايشر ان "الولاياتالمتحدة تعتبر الاحداث في اسرائيل جزءا من العملية الديموقراطية الداخلية في اسرائيل وليس لدينا اي تعليق آخر للادلاء به". وردا على سؤال عن المستوطنات، اكتفى فلايشر بالتأكيد ان موقف الولاياتالمتحدة من هذا الموضوع "معروف منذ فترة طويلة وكثيرا ما كررناه".