! حينما تقبل علي... وتأخذ معك في آخر الرحلات حقيبة جسدي المتهرئة وصرة رأسي المعقودة. حينما أذبل في أحضانك فإن الواني تتناثر وتقول لك: إن الكلمة كانت يوماً لون الروح في قصيدة بيضاء! لون التراب في صوت الحرية لون الدماء في جسد الضحية لون المرأة بين ثنايا ألوان المودة. لقد استحالت الكلمة يوماً قدر المستطاع مخيال مرآة أمام ضياء الجمال وجلبت قدر حملها الأشعار الجديدة والطيور الجديدة والأحلام الطرية لهذا اللسان الكردي الحزين! يا لون الموت! لم تكن أنت في حضرته بعد وقتما كان "بوشكين" يحلم في موكب ثلجي روسي بما وراء الرحلة ولون العالم بعد المنية. حلم بأنك قد تأخذ روحه ولكن ليس بمقدورك ان تأخذ شعره حلم بأن ألوان كلماته تبقى وتحيى كالخضرة. وأنا هنا... أرى الحلم ذاته قبل ان تقبل علي أيها الموت: أراه في موكب خريفي طافح بفراشات ألواني في سحابة بيضاء على كردستان سوف أبقى في النهارات المشمسة والصافية شاخصاً حتى زمن بعيد تمثالاً على شارع المستقبل أتأبط حقيبتي وأواجه بسمتي الى الجبال. وفي الليل... تضيء مصابيح الشوارع المصطفة وضياء القمر بين حين وحين بألوان من الشعاع الرقيقة الفاتحة قامتي... وحقيبتي... ونظاراتي! سوف أبقى شاخصاً حتى زمن بعيد تحت الأمطار والثلوج دون أن أحمل مطلة!... قد يغطي البياض جسدي وتخدرني البرودة دون أن أرتعد أو أخفي يدي في الجيوب! لا يغريني شيء... اللهم إلا ريحاً من الشعر، قد تهب وتنفض قامتي أو حارساً ساهراً في الليل قد يوقد ناراً قرب قدمي فنتدفأ كلانا بوهجها... للحظات. "حينها... وفي ذلك الموسم لا أخاف إلا من شيء واحد أخاف من أن تبتل أشعار حقيبتي... فتنمحي دون أن أكون قد حفظتها عن ظهر القلب!" ... يا لون الموت! كن في انتظاري قد آتيك في سحابة بيضاء تحوم حولها فراشات ونوارس وقصائد ناعمة! قد آتيك ممتطياً حصاناً يتصاعد منه الغربة والانعزال! قد آتيك مساءً... وقد قطعت الثلوج الطريق أمام مرور المصابيح ومرور القصائد! وتجمدت الأمواج وأجساد الغزلان والعشاق... آتيك حينها... صداحاً مخدراً... انتظرني... يا لون الموت! يا لون الانبهار حين آتيك... آتي اليك بإناء ألوان مصير شاعر ومصير بلاد... لم يسبق لك ان رأيته... سوف أريك لوناً يبهر لونك! * مقطع من ديوان "إناء الألوان" للشاعر الكردي العراقي شيركو بيكه س في ترجمة شاهو سعيد التي تصدر قريباً عن دار الآداب في بيروت.