عاد الهدوء تدريجا إلى قطاع غزة أمس في أعقاب يوم دامٍ سقط فيه 19 فلسطينيا، 15 منهم برصاص قوات الاحتلال، وأربعة آخرون في اشتباكات وصدامات وقعت بين المواطنين وأنصار "حركة المقاومة الإسلامية" حماس في جهة والأجهزة الأمنية في أخرى. وشيع المواطنون قتلاهم الأربعة في مدينة غزة ومخيمي البريج والنصيرات للاجئين إلى مثواهم الأخير في مسيرات جنائزية هادئة، لكن التشييع في مدينة غزة شابه بعض الاشتباكات بين المشيعين الذين القوا الحجارة على مبنى السرايا وهو المجمع الأمني الرئيسي في القطاع، ورجال الأمن الذين ردوا بإطلاق النار فجرحوا أحد المواطنين. وعم الهدوء النسبي أمس المدينة والمخيمين بعد صدامات أوقعت قتيلين في غزة ظهر أول من أمس، وقتيلين آخرين في ساعة متقدمة من الليل و35 اصابة في صفوف المواطنين، وأربعة من رجال الشرطة. والقتيلان هما عيسى الأحول 20 عاما من مخيم البريج، ومحمد أبو طعيمة 20 عاما من مخيم النصيرات الذي تقطنه عائلة عقل التي قام عماد، أحد أبنائها، بقتل العقيد راجح أبو لحية قائد شرطة مكافحة الشغب في الشرطة الفلسطينية أول من أمس انتقاما وثأرا لمقتل شقيقه يوسف في صدامات مماثلة قبل نحو عام. وكانت اشتباكات مسلحة عنيفة دارت ليل الاثنين - الثلثاء واستمرت حتى ساعة مبكرة من فجر الثلثاء بين عشرات من المسلحين من عائلة عقل و"كتائب الشهيد عز الدين القسام" الذراع العسكرية لحركة "حماس" ورجال أمن فلسطينيين حاولوا اعتقال عماد عقل من منزله على خلفية قتل أبو لحية، لكن من دون أن يتمكنوا من ذلك. وأصدرت عائلة عقل بيانا في أعقاب الأحداث حملت فيه "السلطة الفلسطينية وأجهزتها والمجلس التشريعي والقوى الوطنية والإسلامية ومؤسسات حقوق الإنسان المسؤولية الكاملة عن عدم الضرب على يد الظالم والسماح لفئة خارجة عن الصف الوطني والأخلاقي بالعبث بأرواح الأبرياء". واعتبرت قتل أبو لحية نوعا من القصاص، قائلة إن "العين بالعين والسن بالسن والجروح قصاص". وطالبت العائلة في بيانها ب"حماية القانون وسيادته من خلال التحقيق في كل حوادث القتل وتقديم باقي المسؤولين إلى العدالة"، في إشارة إلى قتل عدد من المواطنين في أحداث مشابهة وقعت في القطاع خلال العام الأخير، وهي الدعوة التي لاقت صداها عند حركة "حماس" التي طالب الدكتور عبدالعزيز الرنتيسي باسمها بمحاكمة عناصر السلطة على قتل عدد من المواطنين. وتساءل الرنتيسي في حديث ل"الحياة" في غزة أمس إن كان هناك "قانون في البلد، قانون خاص بأفراد السلطة إن قتلوا عمدا فلا غبار عليهم وقانون خاص بالمواطنين إن قتلوا فإنهم يحاكمون ويعدمون". وأشار إلى إن "لقاء تمهيديا عقد مع مسؤولين في السلطة لبحث سبل تهدئة الأوضاع" في القطاع. ونفى الرنتيسي أن يكون لحركة "حماس" اي علاقة بقتل أبو لحية. وتبادلت السلطة الاتهامات مع "حماس" بخلق فتنة في الشارع محملة الحركة المسؤولية عما جرى من أحداث، خصوصا وأن عقل عضو في "كتائب القسام" ومطلوب للدولة العبرية على خلفية مقاومة الاحتلال. واتهم مصدر أمني فلسطيني مسؤول "حماس" من دون أن يسميها بالاسم "بارتكاب جريمة بشعة في الشارع العام وفي وضح النهار ضد أحد قادة الشرطة" في إشارة إلى أبو لحية الذي تتهمه عائلة عقل بقتل ابنها. وطالب ب"استلام أو تسليم مرتكبي الجريمة قتل أبو لحية البشعة للشرطة كي تأخذ العدالة مجراها، وليكون القانون سيد الجميع وفي خدمتهم". ولاقى هذا الطلب في المدينة استجابة من فصائل منظمة التحرير التي أصدرت بيانا طالبت فيه ب"تسهيل إلقاء القبض على المسؤولين عن قتله للجهات الرسمية المختصة لتقديمهم للقضاء ومحاكمتهم وفقا للقانون". واعتبر جميل مجدلاوي عضو المكتب السياسي للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين التي تبذل جهودا مكثفة من أجل تهدئة الأمور وتخفيف حدة التوتر بين السلطة و"حماس" ذلك أساسا لإعادة الأمور إلى نصابها. وشدد مجدلاوي في حديث الى "الحياة" على انه لا يمكن أن "تتم معالجة أخطاء السلطة بخطأ أكبر" في إشارة إلى إطلاق رجال أجهزة الأمن والشرطة النار على المتظاهرين، رافضا أن "تنصب عائلة أو أي جهة من نفسها حكما، ونرفض أن يأخذ أحد القانون بيده لأنه عندئذ ستعم الفوضى الشاملة". الى ذلك، ناشد الشيخ تيسير التميمي القائم بأعمال قاضي القضاة في القدس والأب عطاالله حنا الناطق الرسمي باسم الكنيسة الارثوذكسية في القدس والديار المقدسة في بيان مشترك "شعبنا الفلسطيني الصامد والمرابط في قطاع غزة وجميع قواه السياسية التلاحم ورص الصفوف ومزيداً من الوحدة الوطنية، الصخرة الصلبة التي تتحطم عليها المؤامرات والمخططات الصهيونية ضد شعبنا". ودعيا الى "وأد الفتنة في مهدها والعودة كما كنتم دائماً في خندق واحد".