مطلع تسعينات القرن العشرين، بدأ مطربون في العالم العربي تصوير أعمالهم الغنائية، لجذب جمهور جديد وتحقيق انتشار أوسع في ظل فورة الفضائيات. وكانت الأغاني تُصوَّر آنذاك في استوديو، أو مكان خارجي بكاميرات عادية وإمكانات محدودة. ولكن، بعد موجة الفيديو كليب الذي بات جزءاً أساسياً من نجاح أي عمل غنائي مطلعَ القرن الواحد والعشرين، بات الإنفاق على التصوير أكثر سخاء، واستعمال أحدث التقنيات أساسياً، فاستعان البعض بمخرجين أجانب لتصوير كليباتهم، فيما اعتمد بعض شركات الإنتاج على مخرجين محليين قدّموا أعمالاً ناجحة. بعض المطربين أنفق أكثر من 150 ألف دولار على تصوير عمل واحد، ومنهم من تخطى هذا الرقم. والمفارقة إن غالبية المخرجين باتت تعتمد على التصوير السينمائي، منتقلة بذلك إلى مرحلة جديدة في عالم الفيديو كليب. المطربة اللبنانية نجوى كرم صوَّرت أحدث كليباتها «ما في نوم» من ألبومها الجديد «هالليلة ما في نوم»، بتقنية الأبعاد الثلاثة، تحت إدارة المخرج اللبناني وليد ناصيف. هي المرة الأولى في الشرق الأوسط التي تصوّر فيها أغنية بهذه التقنية، ولهذه الغاية استعانت شركتا «روتانا للصوتيات» و «سوني الخليج» بثلاث فرق محترفة من الولاياتالمتحدة وبريطانيا، إضافة الى الفريق اللبناني الذي قام ببحوث ودراسة مكثفة حول هذه التقنية ليتمكن من مجاراة الفريقين الأجنبيين والتعاون معهما، خصوصاً أن المنطقة لم تكن جاهزة من قَبل لتنفيذ التقنية ثلاثية الأبعاد. وللمرة الأولى أيضاً استُخدمت أربع كاميرات من الأكثر تطوراً في عالم التقنية الرقمية لتنفيذ الكليب. السؤال الواجب طرحه: لم قرَّرت كرم اعتماد هذه التقنية؟ للتميُّز؟ أم لتسجيل سابقة؟ أو مجاراةً للتطوّر التكنولوجي في عالم التصوير؟ خصوصاً إذا علمنا أن من يقتنون شاشات ثلاثية الأبعاد في العالم العربي ما زالوا فئة صغيرة، وأن من يريد مشاهدة الأغنية عليه التوجه إلى دور السينما، لذلك صُوِّرت الأغنية أيضاً بتقنية الأبعاد الثنائية للسماح للجمهور بأن يشاهدها أينما كان. من يشاهد الكليب يشعر بالحماسة التي تعتري كرم، وحبّها إلى التجديد في نمطها الغنائي، والظهور في شكل مغاير عن باقي أغنياتها، بيد أن الأبعاد الثلاثة لم تخدم الأغنية كثيراً، إذ اعتمد المخرج على لوحات راقصة ومشاهد داخلية وخارجية ومواقع أثرية، صارفاً النظر عن الحماسة والتشويق التي تميّز هذه التقنية. تجلس كرم أمام شاشة عملاقة، وعلى عينيها نظارات خاصة بتقنية الأبعاد الثلاثة لمشاهدة أغنيتها المصوَّرة، مستمتعة بأداء راقص الهيب هوب المغربي عبدالملك البلجاني، وكأنه روبوت. تنتقل الصورة من الراقص إلى كرم، التي «تولد» على المسرح فجأة، منذرةً ببدء العرض، محاطةً براقصين على يمينها ويسارها. تتنقل مشاهد الكليب لاحقاً بين غناء كرم وغنجها ودلالها والرقص في الماء، وتعود مجدداً إلى الرقص داخل الاستوديو وبعض اللقطات في مغارة جعيتا الأثرية. لقطات ومشاهد لطالما قُدّمت في العديد من الكليبات العربية، وتحديداً في بعض كليبات كرم السابقة. والحال أن مخرج العمل لم يقدّم أفكاراً جديدة تليق بأول كليب بالأبعاد الثلاثة في الشرق الأوسط. لم يتميز العمل بطريقة تصويره أو إخراجه، بل بإيقاع الطبلة الذي أدّته كرم غناءً. البعض أحب هذه الطريقة واعتبرها تجديداً، وانتقد آخرون دمدمة كرم لإيقاع الدربكة. وبصرف النظر عن النقد الذي طاول الأداء، فإن الإيقاعات اللفظية التي قدّمتها المطربة اللبنانية أظهرت تمرساً وخبرة وصوتاً قوياً واحترافية في الغناء. قد تكون ال«دوم تاك» الخاصة بكرم، هي الجديد الذي قدّمته في عملها الجديد، وليس التصوير الثلاثي الأبعاد. ووصل بعض الانتقادات إلى التشكيك في قدرتها على أداء هذا النوع من الإيقاعات اللفظية التي ربما نُفّذت بتقنية تكنولوجية معينة، ما دفعها إلى أدائها في شكل مباشر في الحفلة الختامية لبرنامج «ستار أكاديمي»، فأثبتت للجمهور أنها تدربت كثيراً على هذه الجمل الموسيقية وتمكنت منها. وعلى رغم هذا التنويع في أسلوبها، ما زالت كرم تدور في فلك الفولكلور بالمعنى الضيق للكلمة، علماً أن أنماط الفولكلور اللبناني واسعة وغنية جداً. والمتابع لأعمال كرم يلاحظ التشابه في غالبية أعمالها، من حيث الكلام والإيقاعات وأسلوب الغناء. قد يقول قائل إن كرم أسست مدرسة غنائية خاصة بها، لكن التشابه في الأعمال يصبح تكراراً، وليس ترسيخاً لنمط غنائي. وفي تجارب لها، قدّمت كرم أعمالاً حاولت فيها الخروج من النمط الفولكلوري، بيد أنها لم تلاقِ نجاحاً كالذي حققته مثلاً في «بالروح بالدم» و «خليني شوفك بالليل». ولا يقتصر التجديد على الأسلوب، بل على فريق العمل الذي يحيط بالفنانة، إذ باتت في حاجة إلى فريق قادر على تقديمها بشكل جديد إلى الجمهور الذي رافقها منذ انطلاقتها بداية الثمانينات، ومن ثم تقديمها إلى الفئات العمرية المختلفة. كرم كتبت ثلاث أغان من ألبومها الجديد هي «مافي نوم» و «شو هالليلة» و «عيني بعينك»، وهي باتت في حاجة أكثر من أي وقت مضى إلى انطلاقة جديدة تقرّبها من جيل الشباب، وتبعدها ولو قليلاً عن الفولكلور المنمط، علها تنجح مثلاً في الأغاني الاجتماعية أو العاطفية؟