سادت في العامين الأخيرين موجة من التفاؤل بعودة السينما السورية الى عصرها الذهبي، اثر مجيء ادارة جديدة الى مؤسسة السينما. وهو التفاؤل الذي دعم في ما بعد بكثير من التصريحات والخطوات الساعية لتحريك الجو السينمائي الجامد منذ عقود. وكان مهرجان دمشق الثاني عشر نقطة ارتكاز للطموحات بمستقبل سينمائي زاهر، وترافق ذلك مع صدور مرسوم جمهوري بإلغاء قانون حصر استيراد الأفلام السينمائية بمؤسسة السينما أواخر عام 2000، وكان تم فرضه عام 1969، اضافة الى اعفاء أصحاب الصالات من الرسوم في حال تجديد صالاتهم واعادة تأهيلها. لكن، صدور التعليمات التنفيذية للمرسوم شكل صفعة لأصحاب الصالات بما تضمنه من ضرائب ورسوم أفرغت المرسوم من محتواه، وأعادت من جديد سطوة المؤسسة على الصالات. نحاول هنا رصد آراء بعض أصحاب الصالات وذوي الشأن بالقرارات التي صدرت لتنظيم استيراد الأفلام ودعم الصالات. محاربة الأسطوانات المدمجة يقول مأمون سري: "الصالات في سورية تدهورت وباتت شبه ميتة، بسبب عدم وجود الفيلم الجيد والجديد، كما بسبب منافسة الفيديو الاسطوانات التي تدخل سورية بطريق غير شرعي وغير قانوني وتنسخ من دون دفع حقوق امتياز، أي ان الفيلم ينتج في عام 2002 وبعد شهر يتم نسخه ويوزغ بمئات الآلاف من النسخ على المحلات وهذا كله يجري بطريقة غير شرعية، لأنه لا توجد حماية ولا حقوق. ويباع الفيلم بخمس وعشرين ليرة سورية، بعد كل هذا من يدخل السينما؟، فالفيلم يرى بعشر ليرات ويتم اهداؤه أيضاً للأصدقاء والجيران. والأمر الآخر، تم السماح لنا باستيراد الأفلام السينمائية، لكن في المقابل وضعت المؤسسة العامة للسينما رسوماً على كل فيلم يدخل سورية، ولمصلحتها لقاء تقديم خدمات، وهي لا تقدم لنا أي خدمات، مثلاً الفيلم الأجنبي رسمه 125 ألف ليرة سورية 2250د. وعلى الفيلم المصري الذي من المفروض إعفاؤه من أي رسم على أساس ان هناك اتفاقات تعاون وتجارة بين البلدين، 150 ألف ليرة سورية 2500دولار، وعلى الفيلم الهندي 250 ألف ليرة سورية، وكان المرسوم تم تجميده، ولم يعد أحد يستطيع ادخال الأفلام، لأن مستورد الفيلم عليه رفع الرسوم والضرائب لقاء لا شيء، وأكثر من قيمة الفيلم، وهذا كله يؤدي الى انهيار دور السينما". ويضيف سري: "إذا كنتم جادين بعودة السينما الى ما كانت عليه، الغوا الضرائب والرسوم المفروضة عليها، وادعموها وساعدوها لكي تقف على قدميها وتشجع الآخرين لبناء دور سينما حديثة، أيام زمان كان لدينا مئة وعشر صالات سينما الآن لدينا ست وعشرون... وحتى المؤسسة لم تعد تستورد أفلاماً وتوزعها". ويقول محمد وليد كلاس مدير صالة السفراء والخيام التي تملك المؤسسة 55 في المئة من أسهمها: "على رغم صدور المراسيم المشجعة للسينما الا ان استيراد الأفلام توقف، لأن المؤسسة وضعت رسوماً كبيرة على كل فيلم يتم استيراده، فإذا لم يتم اعفاء الفيلم من الضرائب فلن يتم تحريك هذا الركود، اضافة لذلك هناك ضريبة المالية التي تبلغ 22 في المئة، وأيضاً هناك ضريبة المحافظة والنظافة... ولهذه الظروف المحيطة بالسينما، تعتمد هاتان الصالتان على المسرح التجاري الذي يحقق للمستثمر دخلاً يعوض قليلاً من الخسارة من السينما". من الداخل ويقول الصحافي بندر عبدالحميد أمين تحرير الحياة السينمائية: "بعد نحو ثلاثين عاماً من حصر الاستيراد بالمؤسسة العامة للسينما، لم تستفد المؤسسة خلال هذه المدة من مرسوم الحصر، فهبطت نسبة الأفلام المستوردة من مئتي فيلم الى ما دون العشرين فيلماً. وأخيراً ألغي مرسوم الحصر واستبدل بضريبة على كل فيلم يستورده القطاع الخاص. ويبدو ان الفترة الماضية تركت أثراً سيئاً في المخرجين والمنتجين، والموزعين والمشاهدين، نسي بعضهم السينما وانصرف آخرون الى التلفزيون، وأقلع آخرون عن مشاهدة الأفلام عموماً، لأن مقص الرقابة كان يمنع ويقطع في شكل عشوائي، فأتلفت لقطات ومشاهد وفصول رائعة من روائع الأفلام التي تصل الينا متأخرة كالعادة، أما الصالات التي لم تغلق أبوابها فإنها تشبه بقايا الأفلام القديمة المقطعة الموصلة التي تعرضها هذه الصالات في عروض مواصلة". أما د. ابراهيم نجمة مستثمر صالتي الخيام والسفراء فقال: "أصدر السيد الرئيس مرسوم حصر الاستيراد ولم يتضمن أي رسم اضافي على أصحاب الصالات أو المستوردين. وعندما ظهرت اللوائح التنفيذية، فوجئنا بوجود رسم لمؤسسة السينما بمعدل وسطي هو مئة وخمسون ألف ليرة سورية ثلاثة آلاف دولار عن كل فيلم مستورد، علماً أن هناك رسماً يحصل لمصلحة مؤسسة السينما تحت اسم رسم دعم السينما قيمته 10 في المئة على كل بطاقة مباعة، تضاف اليها رسوم أخرى بمعدل 7 في المئة ليصبح المجموع 22 في المئة. المستورد أو صاحب الصالة تاجر إذا حسبها يرى أنه يدفع هذه النسبة قبل تحقيق أي ربح. والمشكلة ليست في الرسوم فقط إنما المشكلة تتجسد في أن سورية لم يعد فيها رواد سينما والسبب ظروف متراكمة من ثلاثين عاماً حتى هذا التاريخ، كما أن دخول الفيديو والدش والسي دي الى كل البيوت يلبي رغبة المواطن بمشاهدة أي شيء جديد. من ناحية أخرى الفيلم المستورد يعتبر مؤجراً لفترة محددة وليس بيعاً قطعياً، وهذه الفترة لا تتجاوز في أحسن الأحوال الأربع سنوات ثم تعاد النسخة الى الشركة المنتجة بينما الرسوم والضرائب تفرض علينا وكأننا مالكين للأفلام. "وبالنسبة للفيديو والاسطوانات، في البلدان الأخرى يمنع نشر الفيلم أو نسخه على الفيديو أو السي دي إلا بعد مرور ستة أشهر على عرضه في الصالات، أما عندنا فيتم نسخ الأفلام مباشرة بعد انتاجها، لذلك تبدو مسألة ضبط قرصنة الفيديو مسألة مهمة. وبعد حوالى عامين من صدور مرسوم الغاء الحصر، لم يتم استيراد أفلام جديدة". ويتابع نجمة: "تجربتنا في استيراد الأفلام ضعيفة وحتى الآن لم يستورد أصحاب الصالات إلا الأفلام القديمة نسبياً والسبب ان مالكي الصالات سعوا الى الفيلم الرخيص نظراً لعدم وجود رواد سينما!! لكن الرغبة موجودة في استيراد الأفلام الجيدة والجديدة إذا توافر المناخ الملائم. وإذا كان لدى الحكومة رغبة في عودة هذا القطاع الى العمل عليها دعمه ومساعدته للنهوض والوقوف على قدميه واعطائه التسهيلات اللازمة واعفائه من أية ضرائب، وذلك خلال فترة محددة وبعدها توضع الرسوم وتفرض الضرائب بعد أن تكون السينما قد حققت بعض النتائج في اعادة الجمهور لها. ولكن مع استمرار الوضع القائم يفكر الجميع بإغلاق صالاتهم!! ففي سورية كان هناك نحو مئة وعشر صالات والآن هناك ثمان وثلاثون فقط والحبل على الجرار... وبعض المحافظات لا يوجد فيها أي صالة، كدرعا والرقة... والصالات الموجودة في حال متردية فنياً. حتى ان صالة الشام المجهزة جيداً وحديثة انخفض روادها الى الحدود الدنيا على رغم انها تستورد أفلاماً جديدة". والحل بحسب نجمة يعتمد على نقاط عدة: تأمين صالات جيدة، تأمين أفلام جيدة وجديدة وحمايتها من الفيديو والسي دي، المساندة الإعلامية وبخاصة من التلفزيون من خلال البرامج النقدية لما يعرض في صالاتنا من أفلام وأيضاً وضع أسعار تشجيعية للإعلان في التلفزيون عن الأفلام. زمان الوصل ولا يخرج قاسم طيبا مستورد وموزع أفلام عن الكلام السابق إلا أنه يؤكد ضرورة أن تسعى المؤسسة للمنافسة عبر صالات الكندي التي تملكها من خلال عرض الأفلام وبيعها. ويتذكر طيبا ان عدد الأفلام التي كانت تدخل البلد قبل صدور مرسوم حصر الاستيراد وصل الى أكثر من مئتين وخمسين فيلماً، حتى ان لبنان كان يشتري الأفلام من سورية". و"من دون مواربة" يقول طيبا: "ان مؤسسة السينما في سورية قضت على السينما إضافة الى ان وزارة الثقافة هي التي تسمح بالفيديو والسي دي ما يؤدي أيضاً للتأثير الكبير في السينما". ويستغرب طيبا كيف ان مرسوم الرئيس الواضح يتحول من خلال اللوائح التنفيذية الى نقيضه، "على رغم ان المرسوم الذي صدر هو المطلوب لعودة الروح الى السينما...". عاملونا أسوة بالشركات ويصب كلام هيثم حتاحت في الاتجاه نفسه مع بعض التلوينات الإضافية: "بين صدور المرسوم والقرارات التنفيذية هناك أشهرة عدة، وهذه الفترة لم تغط ولم يتم استيراد أي فيلم فيها، والمؤسسة لم تسع لملء هذا الفراغ، ما اضطرنا لاستيراد أفلام قديمة وبالتالي فقدنا ما تبقى لنا من جمهور وبعد ذلك تفاجأنا بالرسوم والضرائب". ولا يفقد حتاحت الأمل بعودة السينما وطقسها الجميل إذا تحققت مطالب السينمائيين، على رغم المنافسة الشديدة من السي دي والفيديو "ولن نتردد في اعادة تأهيل صالاتنا وتجديدها لأن الأساس موجود، لكن إذا رأيت أنني سأخسر الملايين على التجديد من دون أمل بإلغاء الضرائب فلن أقدم على هذه الخطوة الكارثية بالنسبة لي". ويستغرب حتاحت كيف ان كل الرسوم والضرائب تجبى من أصحاب الصالات قبل أن يحقق الفيلم أي ربح. ويقول حتاحت انه "خلال اجتماع المستثمرين وأصحاب الصالات بعد أن شرحوا لها كل مراحل استراد الفيلم وعرضه، والصعوبات التي تعترضه، وقالت انها ستنظر في الأمر وستشكل اللجان المناسبة لذلك"، لكن حتاحت يريد على حد قوله أن يرى النتائج على الأرض فالجميع يتعاطفون!! ولدى طرح كل هذه المشكلة أمام المخرج عبداللطيف عبدالحميد قال: "يريد أصحاب الصالات منا ان نستورد لهم الفيلم ونقدمه من دون مقابل، هؤلاء لا يريدون العمل ولا يسعون لتحريك الجو السينمائي".