تأخذ السينما السورية منذ العام 1928، عام ولادتها في دمشق على يدي أيوب بدري، حيزاً مهماً من أوقات المشاهدين. ولكن في السنوات الأخيرة بدأت تترجح في كفتي ميزان غير عادل، ما أدى الى ابتعاد الجمهور عنها. ويبدو اليوم، بعد تسلم محمد الأحمد ادارة المؤسسة العامة للسينما، ان الأمور ستتخذ منحاها الصحيح، او هذا ما يعتقده هو على الأقل، اذ وعد بأن تستعيد السينما السورية عافيتها، بتحديث دور العرض والصالات واستيراد الافلام من دون حصرها بالمؤسسة. "الحياة" التقت محمد الأحمد فحدثها عن مستقبل السينما السورية والخطط الموضوعة للنهوض بها. قدم السينمائيون في سورية ورقة عمل تشمل حلولاً مطلوبة لاعادة النهوض بالقطاع السينمائي. كيف تقرأها؟ - أنا واحد من الذين وقّعوا هذه الورقة قبل ان اصبح مديراً عاماً لمؤسسة السينما، وقد تضمنت نقاطاً مهمة للارتقاء بالسينما السورية، وضعها سينمائيون زملاء تحدوهم رغبة في تقديم ما هو مختلف ومتميز. لكننا لا نستطيع الحكم على الوضع ككل إلا اذا اتيحت لهذه المطالب فرصة التجريب على ارض الواقع. فما كان صالحاً من هذه النقاط بعد مرحلة التجريب سنعززه ونعتمده، وما لا يبدو منسجماً مع واقع الأمور أو يثبت أنه يحتاج الى اعادة صوغ او التعامل معه في شكل مختلف فسنحاول تفاديه في هذه المرحلة، ولكن ضمن اتاحة فرصة التجريب والممارسة. فعلى سبيل المثال، نحن في صدد الغاء مرسوم حصر استيراد الأفلام بالمؤسسة لاتاحة الفرص امام اصحاب دور السينما لذلك، بما يؤدي الى تحديث الصالات التي دأب مالكوها أخيراً على الشكوى من انصراف المشاهدين عنها. ويبقى الهدف أولاً وأخيراً أن نقدم تصوراً جديداً موائماً لروح العصر، ولا ننسى وعبر مسيرة المؤسسة أنها قدمت أفلاماً شاركت في تأسيس ثقافة وطنية وعربية. وقد عاشت في أذهان الجمهور، ولا نغفل أننا القلعة الأخيرة في ميدان القطاع العام في الوطن العربي، بعدما احتضرت التجربة في مصر والجزائر ويُنظر الى تجربتنا بكثير من الاحترام في الدول العربية والجميع يعرف أننا نعمل ضمن شروط صعبة. كيف يمكن اصحاب دور السينما تحديث صالاتهم، ومن ثم المضي في استيراد الأفلام؟ - احتياجات صالات السينما تزيد على مئتي فيلم كل سنة، ولا تستطيع المؤسسة أن تستورد الا ثلاثين أو اربعين على أبعد تقدير. ولكن بموجب قرار الاستيراد الجديد الذي نعده الآن، يسمح لأصحاب الصالات والموزعين باستيراد الأفلام من كل الدول العربية والأجنبية، وسيقود هذا الامر الى تحديثها، لأن من غير المعقول أن يُستورد فيلم وليست هناك شروط ملائمة لعرضه كآلة عرض جيدة وأجهزة صوت متطورة ومؤثرات تقنية. وبالتالي سيولد هذا الوضع تنافساً يرفع من أهلية دور العرض. ما دام الأمر كذلك، قد يكون الغاء حصر الاستيراد وتوزيع الأفلام بالمؤسسة العامة للسينما، أحد الحلول الأساسية للمشكلة السينمائية؟ - أعتقد أن في هذا الموضوع تصوراً قاصراً، اذ يجب الا نقارن بين ذوق لجنة من ثلاثة أشخاص والأذواق المتعددة. ولكن أرى أن يكون مجال السينما مفتوحاً في أكثر من زاوية. نحن أثناء ممارسة هذا الحصر اكتشفنا ان هناك نقاطاً عالقة أدت الى انصراف الجمهور عن السينما، والى دخول اصحاب الصالات مرحلة اليأس، لأن الأفلام الموجودة لم تعد تلبي المطلوب منها، أو تناسب ذوق المشاهد، ولم تعد تجذب المشاهد الى الصالة المعتمة ما لا يعوضه لا الفيديو ولا الفضائيات ولا اي وسيلة اخرى. ومع التقدم التقني الذي يشهده العالم، أرى ان تعدل بنود هذا القرار، وأن يسمح باستيراد الأفلام ولكن ضمن ما يقتضيه الذوق العام، خصوصاً منفعة الناشئة التي قد تتأثر بالأفكار المستوردة المنافية لأخلاقنا وتقاليدنا وتراثنا. وزيرة الثقافة الدكتورة مها قنوت مشكورة إذ تسعى الى تأمين ما يمكن، للخروج من التقليدي والقديم وللإفادة من التطورات الحديثة. وأنا من موقعي السابق كمدير للدراسات والتخطيط في بداية الستينات في المؤسسة، كنت أنادي بضرورة تعديل هذا المرسوم. وقد تراجعت صالات "الكندي" بعدما كانت زاخرة في الستينات، حين كانت تعرض لروادها أفلام الموجة الفرنسية أو الواقعية الايطالية واتجاهاتها ونتاجات السينما وتياراتها المتباينة، وها هي الآن باتت يائسة تبحث عن فيلم ناجح لتعرضه. هناك تردِ في حال دور السينما في سورية، بما فيها صالات الكندي القليلة في دمشق والمحافظات. ما هي في رأيك الحلول المطلوبة لتحسين وضعها وأسعار بطاقات الدخول؟ - بدأنا فعلاً بتحديث هذه الصالات. ونحن الآن في صدد تحديث صالة حمص، وصالة الكندي في دمشق التي رصد لها خمسة وعشرون مليون ليرة سورية، وتعدّ الملتقى الثقافي شهد عروض اهم افلام السينما في الستينات والسبعينات. وآمل أن نتمكن في ضوء الواقع الجديد من تزويدها أجهزة عرض وصوت حديثة ومتطورة ومقاعد وديكورات جديدة تتلاءم والتطور الجديد. أما بالنسبة الى سعر البطاقة فسيكون هناك تصنيف للصالات والاسعار. اذ لا يمكن ان أحاسب صاحب صالة انفق عشرات الملايين على تحديث صالته مثلما احاسب الذي لم ينفق ربع هذا المبلغ على صالته. وستكون هناك لجنة متخصصة لبت هذا الموضوع. ما تصوركم للأفلام الروائية؟ وهل يكفي تحريك الواقع السينمائي من خلال السماح بالاقلاع في فيلمين روائيين فقط، مدرجين على خطة الانتاج منذ ثلاث سنوات هما "زهر الرمان" و"صندوق الدنيا"؟ - في ظل الامكانات الراهنة، لا ابالغ اذا قلت اننا نستطيع تحريك هذا الواقع. اذ كان اعلى رقم حققته السينما في سورية اربعة افلام في منتصف السبعينات. ولكن لدينا ثلاثة مشاريع روائية طويلة سننجزها خلال عام وهذا هو التصور القائم الآن. وقد تم التحضير لها وهي: "زهر الرمان" و"صندوق الدنيا" للمخرج أسامة محمد بالنسبة الى هذا الفيلم تم الاتفاق مع جانب فرنسي سيصل عما قريب الى المؤسسة للشروع في التصوير كونه مشتركاً بين الجانبين، وفيلم "قمران وزيتونة" للمخرج عبداللطيف عبدالحميد. وهناك مشروع مستقبلي قدمه المخرج محمد شاهين، عنوانه "ندى الشمال" عن سيناريو لمنير صاوي ومحمود عبدالواحد. ومشروع احياء لفيلم المخرجة واحة الراهب "روئ حالمة" وهو من السيناريوهات الجميلة، وسنعمل على دعم اللجنة الفكرية الجديدة المؤلفة من خمسة مخرجين لتفعيل دور السينمائيين. أعلن اخيراً موعد لعقد مؤتمر يجمع السينمائيين السوريين مع المسؤولين في وزارة الثقافة. فماذا يمكن ان يضيف الى الاجتماعات السابقة؟ - قرأت عن هذا الاجتماع في الصحف، وقبل ان اتولى هذا المنصب ولكنني ارى ان يؤخر لتكون الصورة اكتملت، اذ لا بد من انقضاء زمن لاستقصاء مجموعة من النقاط يجب ابرازها في شكل او آخر، وجدياً اعتقد ان الوقت مبكر لمثل هذا المؤتمر، وعندما يحين طرحه، سنرحب به وبكل نقطة يمكن الافادة منها، ولكن من الخطأ الفادح ان نعتبره خشبة خلاص، علماً ان من الواجب ان يكون هناك مؤتمر للسينمائيين، وان لم تكن ثمة ازمة، من اجل طرح الهموم والتطورات المستقبلية.