ألغي في سورية اخيراً قانون حصر استيراد الأفلام بالمؤسسة العامة للسينما. فهل يغيّر هذا الإجراء في واقع الصالات ونوعية الأفلام المعروضة؟ هنا جولة قبل إلغاء القانون، في انتظار ما سيأتي: اسئلة كثيرة، ومقلقة يطرحها المشهد السينمائي السوري، والبحث عن اجوبة شافية يضعنا في حلبة التناقض، ذلك أن كل فريق يرى الركود السينمائي من وجهة نظره ويعزوه لأسباب يخالها جوهرية. والسينما - كإبداع جماعي - بحاجة الى كوادر بشرية متخصصة، مثلما هي بحاجة الى مؤسسات ومعامل تحميض، واستوديوهات وصالات. ولأن الصالة تشكل إحدى أهم المحطات في مسيرة الفيلم السينمائي آثرنا الدخول الى عتمتها، وتقويم وضعها، فكان السؤال الكبير المطروح: لماذا هذا العزوف من جانب الجمهور عن ارتياد دور العرض السينمائية؟ لا شك في ان احد اهم الأسباب الكامنة وراء هذا العزوف هو وجود الفيديو، وانتشار الفضائيات بأقنيتها التي تحاول جاهدة - بشكل أو بآخر - استقطاب المشاهد، الأمر الذي جعل الناس يلتزمون بيوتهم، متسلحين ب"الريموت كونترول"، ينتقلون من محطة الى أخرى، ومن "قمر" الى آخر للعثور على ضالتهم لكن سبب إحجام الجمهور ليس ما ذكرناه فحسب بل يتعدى ذلك الى الصالات السينمائية التي تتوزع في وسط مدينة دمشق والبالغ عددها 13 صالة، تعاني جميعها - باستثناء واحدة او اثنتين - افلاساً نوعياً لدرجة جعلت فئات عريضة تعتقد ان الفن السابع تهريج وكوميديا رخيصة، ودموع منسابة. وفي المقابل هناك فئة واعية تنظر باحترام الى السينما. السيد محمد خلوصي مدير التوزيع والصالات في المؤسسة العامة للسينما يقول: "الأفلام المستوردة محصورة بالمؤسسة العامة للسينما. والمؤسسة تسعى لجلب افلام تحمل جنسيات مختلفة". ويضيف موضحاً: "إن هذه الأفلام متنوعة بمواضيعها، فهناك الفيلم "الأكشن" النظيف، وهناك الفيلم الاجتماعي، وهناك العاطفي...الخ". ثم يمضي في حديثه ليضع اللوم على اصحاب الصالات "الذين يتقدمون لشراء الفيلم الذي يحمل الصفة التجارية ويحقق لهم المردود المادي الجيد". وإذا كان هذا الربح هدفاً مشروعاً - في وجه من وجوهه - فإن السيد خلوصي يذهب الى أبعد من ذلك - من دون ان يبتعد من الحقيقة - ليقول ان المشكلة "ليست في عدم توافر الفيلم الجيد، وإنما المشكلة في رداءة شروط العرض" في إشارة منه الى العروض المستمرة من دون توقيت محدد، ووقف العرض - بين الحين والآخر - لبيع السندويش والمشروبات الغازية و"الآيس كريم". فضلاً عن المقاعد المكسورة، والأجواء الخانقة، والضجيج الذي لا ينقطع. وطالب في سياق حديثه "بضرورة تحديث اجهزة العرض، وأجهزة الصوت" مشيراً الى أن: "هناك بعض الصالات مضى على اجهزتها خمسون عاماً من دون ان تتغير"، واستشهد السيد خلوصي بلبنان كمثال على الالتزام بشروط العرض الجيدة، الأمر الذي يدفع بعض السوريين لمشاهدة الأفلام في صالات بيروت. اما السيد هيثم حتاحت مدير صالة الزهراء فله رأي مختلف: "إن ما تستورده المؤسسة العامة للسينما من افلام جلّه قديم ومتداول على أشرطة الفيديو حتى انهم يشاهدون الفيلم على الفيديو ثم يقررون عرضه"، ويشتكي من: "عدم تنوع تلك الأفلام كي تخدم دور السينما"، ويضيف السيد حتاحت بلهجة طموحة: "نحن لا نهرب من الفيلم الهادف" ويضرب مثالاً على ذلك فيلم "المهاجر" ليوسف شاهين الذي عرضه في صالته وحقق له ارباحاً كبيرة. صاحب الزهراء ويرى مدير صالة الزهراء ان للسينما دوراً ثقافياً وترفيهياً، وبالتالي فهو يحبذ الأفلام: "التي تحقق المتعة والتسلية اضافة الى المضمون الجيد" وعندما ذكرناه بضرورة تحديث الصالة والأجهزة، قال: "إن ذلك يحتاج الى سيولة نقدية، وهذه لا تحققها له الأفلام المتوافرة لدى المؤسسة"، معبراً - في نهاية حديثه - عن رغبته بإلغاء قانون حصر استيراد الأفلام بالمؤسسة، شأنه في ذلك شأن صالة سينما الشام المستثناة من ذلك القانون والتي لا تفصلها عن صالته سوى بضعة امتار. والحقيقة ان صالة سينما الشام تكاد تكون الوحيدة التي يقبل عليها رواد السينما مع انها - على حد قول السيد خلوصي -: "أشبه ما تكون بقاعة بلياردو ثم تحولت الى سينما". وعزا السيد عادل مدير سينما الشام سبب هذا الإقبال الى الأفلام الحديثة، لأنها لا تخضع لقانون الحصر وإنما فقط لرقابة وزارة الثقافة، اضافة الى الأجهزة الحديثة، والمقاعد الوثيرة والصالة المكيفة والهادئة، إلا ان سعر البطاقة في هذه الصالة يصل الى 150 ليرة ثلاثة دولارات، في حين ان سعر البطاقة في الصالات الأخرى يزيد قليلاً عن 25 ليرة نصف دولار. ومن البديهي ان هذه الصالة ذات البطاقة العالية الثمن، لا تستطيع بمفردها ان تخلق مناخاً سينمائياً سليماً، فالفيلم في بعض الأحيان يستمر عرضه أربعة اشهر وبذلك على محبي الأفلام الانتظار كل هذه المدة لمشاهدة عرض جديد آخر. في سعينا لجمع اكبر عدد ممكن من الآراء توجهنا الى مكتب السيد وليد كلاس، مدير صالة سينما السفراء الذي تحدث إلينا بنبرة من يتحسر على أمجاده وأرباحه السينمائية الغابرة فاستحصر من ذاكرته طقوس عرض فيلم "سفينة بونتي" لمارلون براندو، الذي عرض في صالته اواخر الستينات حين كانت "صالته تعبق بروائح طيبة"، في اشارة الى ارتياد العائلات دور السينما في الماضي حيث حفيف الفساتين العطرة، في طقس اجتماعي حميم لا يتوقف عند حدود الفيلم بل يتجاوزه الى تفاصيل الحياة البسيطة التي تركن الى الانبهار والدهشة في الصالة المعتمة القادرة على استمالة الزبائن من دون كليشيهات براقة تكتب الآن في واجهة الصالات كيفما اتفق من قبيل: "فيلم للكبار فقط" و"فيلم مملوء بالإثارة والتشويق" و"أضخم وأحدث إنتاج ايطالي أو فرنسي أو أميركي..." مع مجموعة من الصور المثيرة، وكلها لا تتفق غالباً مع حقيقة الفيلم المعروض. ولا يخفي السيد كلاس امنيته بإلغاء قانون الحصر ملمحاً الى أن الشرائح التي ترتاد صالته من الباعة والعمال والعاطلين من العمل والأميين وزوار المدينة القادمين من محافظات اخرى يدخلون الصالة للاستراحة... فقط! عند خروجنا من مكتبه التقينا أحد الزبائن - وهو خارج من صالة العرض - فسألناه عن رأيه في الفيلم وشروط العرض فأجاب - وهو يتثاءب - :"اي فيلم، وأي عرض. دخلت الصالة في انتظار موعد العمل الذي جئت من اجله للعاصمة"، اجابته هذه أثارت لدينا الفضول لنسأل زبوناً آخر عن رأيه فقال: "الفيلم المعروض اجنبي، وأنا لا أعرف قراءة الترجمة العربية". فهو إذاً لا يعرف القراءة والكتابة، غير انه اشاد بقوة البطل الخارقة في تجاوز العقبات. المؤسسة العامة للسينما للهدف نفسه توجهنا بالأسئلة الى السيدة نجاح الفحام مديرة العلاقات العامة في المؤسسة العامة للسينما، ومشرفة على النادي السينمائي النسائي التي نوهت بمستوى الأفلام التي تعرضها صالات الكندي الست، التابعة "للمؤسسة" والموزّعة في المدن السورية. وقالت السيدة الفحام ان: "افلامها متميزة وحاصلة على الجوائز في المهرجانات السينمائية"، وشددت على ضرورة إلغاء او خفض الرسوم على الصالات حيث تصل الى اكثر من 20 في المئة من سعر البطاقة بحسب ما ينص المرسوم الصادر عام 1982 ما يضع السينما في نطاق المؤسسة الاقتصادية التي تهدف الى الربح قبل ان تكون فناً وإبداعاً. وأشارت السيدة الفحام في معرض حديثها عن شروط الاستيراد وصيغته الى أننا نأخذ في الاعتبار تاريخ انتاج الفيلم "فنستبعد الأفلام المنتجة قبل عام 1998" مستدركة "أن هناك افلاماً ذات سوية فنية عالية منتجة قبل هذا التاريخ فنجلبها - نظراً لسويتها - مع الأفلام الحديثة". وحينما عللت السيدة الفحام عزوف الجمهور عن ارتياد الصالات بسبب سوء شروط العرض، سألناها عن سبب غياب هذه الشروط في صالات الكندي التابعة للمؤسسة، فأجابت: "هناك دراسة من جانب اللجان الفنية لتغيير هذه الصالات أو تحديثها".