هل استطاعت الرواية ان تلغي وجود القصة القصيرة؟ يمثل هذا السؤال تهافتاً من الصحافة الأدبية السعودية على اجتراره ومساءلة كتاب القصة عن هجرهم حقلاً إبداعياً كان مهبط الكثيرين من الكتّاب، وتغدو الرواية متهمة باخلاء أرض القصة القصيرة من كتابها وهجرتهم لانماء حقل الرواية. ومع هذا الإقبال المتزايد لكتابة الرواية تتبنى الصحافة السعودية مقولة موات القصة القصيرة. وغدا صك الوفاة تقليعة تتبناها الصحافة منذ ان أشيع موت المؤلف الى موت النقد الأدبي وأخيراً موت القصة القصيرة. إلا ان هذا التبني لهذا الموات يجد رفضاً من كتاب القصة. فكاتب مثل فهد المصبح يرفع شعاراً مضاداً ويؤكد ان المستقبل هو مستقبل القصة القصيرة مستنداً الى ان آلية الزمن المعاش سريعة ولاهثة تتلاءم معها القصة القصيرة كفن يتم استهلاكه من غير الحاجة الى تفرغ لقراءة عمل مثل الرواية. أما القاص ابراهيم النملة فينطلق من ان تعقيدات الزمن وتشابك العلاقات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية أقرب الى روح الرواية، فهذه التشابكات لا تستطيع أي أداة تعبيرية ان تتمثلها سوى الرواية. ويعالج القاص محمد علي قدس لهذه القضية بقوله ان كثيراً من كتّاب القصة الذين هجروها اتبعوا نصيحة الناقد عبدالله الغذامي الذي قال قبل سنوات ان كتّاب القصة القصيرة يضيعون وقتهم بكتابة هذا الفن. وربما أراد الغذامي توجيه انتباه كتاب القصة الى التوجه الى العالم الأوسع والمتداخل. ويرى القاص محمد علي قدس ان كتابة الرواية هي هروب نحو السرد ويعلل ذلك بقوله: "أحسب أنها ليست هجرة وإنما هروب نحو السرد... هروب باتجاه البوح و"فضفضة" الداخل. فكتاب القصة القصيرة لا يجدون صعوبة في الهروب باتجاه السرد، وتفاصيل الحدث الى جهة التشعب والتشبع". ويقر بأن كتابة القصة القصيرة تحتاج الى مهارة ودقة أكثر مما تحتاجه الرواية، لأن عملية التكثيف في القصة عملية شاقة ومرهقة وتحتاج الى براعة زائدة. أما الروائي فهو يستند على أحداث ووقائع ويستطيع من خلال مساحة واسعة ان يقول الشيء الكثير وان يستوعب كل ما يدور في مخيلته من ذكريات وأحداث يستخدمها في بنائه الروائي. وينقض فهد المصبح مقولة ان التشابكات الحياتية تستقطب فن الرواية ويرى ان القصة هي فن تجسيد تلك التأزمات المتشابكة والمتداخلة وتستطيع ان تقدم الحياة بكل تفاصيلها وفي قالب فني يمثل تلك التأزمات. ويعلل خفوت صوت القصة راهناً بأنه خفوت ظاهر بينما العمق يشير الى ان كتّاب القصة في تزايد مضطرد. ويرى ان تعدد هذه الأصوات سيخلق موجة متسعة مخلفة تياراً سيؤدي الى ازدهارها. لعلّ ظاهرة الانتقال من كتابة حقل الى كتابة حقل آخر تحتاج الى قراءة وتقصٍّّ. فكثير من التجارب أثبتت ان الكتّاب في السعودية ميالون للانجراف صوب الفن الذي يحظى بالمتابعة من وسائل الاعلام. فحين كان الضوء مصلتاً على شعر التفعيلة إنشغل معظم الشعراء بكتابة هذا النوع من الشعر وانتقلوا مجتمعين الى كتابة قصيدة النثر. وحين انحسر الضوء عن هذا الشعر وبدأت وسائل الاعلام تركز على الشعر الشعبي انجرف كثير من الكتّاب والنقاد الى كتابة القصيدة الشعبية، حتى ان ناقداً مهماً مثل سعيد السريجي كتب القصيدة الشعبية وأثار كثيراً من التساؤلات عبر هذا التوجه وكان مادة للصحف الشعبية والأدبية على السواء، وليس سعيد السريحي وحده في هذا الأمر بل هناك أسماء كانت تمثل دعائم القصيدة الحديثة في الساحة الثقافية حملت مفرداتها الى الوهج الإعلامي. حدث هذا مع كتّاب كثر مثل الشاعر عبدالله الصيخان الذي قيل ان الساحة الشعبية خطفته، وعبدالله باهيثم وهاشم الجحدلي وسواهم. وحين ركزت وسائل الاعلام على كتّاب الرواية نشط الكثيرون واتجهوا الى الرواية ومنهم الشعراء والنقاد، ولم يعد أحد في الساحة الأدبية إلا وادّعى ان له رواية تكتب أو أنجزت.