يبدو ان رغبة المغنية سمر كموج في تقديم برنامج تلفزيوني يُعنى بالغناء التراثي، قد تحققت، بعدما قدمت في "تلفزيون لبنان" في مرحلة سابقة فقرة تثقفية ضمن قسم الأخبار، كانت تلقي أضواء على نشاطات ثقافية وفنية عدّة. البرنامج على شاشة "المستقبل" وهو "غنيلي شوي" يستقبل فنانين يجيدون أداء الأغنية الشرقية الأصلية، ويتحدثون عن كبار المطربين والمطربات العرب. لكن الرغبة في تحقيق أمر ما، شيء، وكيفية تحقيقه شيء آخر. ذلك ان "غنيلي شوي" الذي يريد فائدة الجمهور عبر الأغنية والمعلومة، يقع في فخ "التمثيل" المفضوح الذي يحوّل المعلومة الى نصّ محفوظ عن ظهر قلب بسبب عدم قدرة سمر ولا ضيوفها على اخفاء ارتباكهما خلال تقديم الطرائف التي عاشها الفنّان "القديم" الذي تجري الحلقة على اسمه... فتلك الطرائف والمواقف المكتوبة أمامهم أو حولهم كما يبدو على الشاشة، لا من خلال تقديرات المشاهدين فحسب، تفتقر إلى عفوية الحوار، ولا تقوم على استخدام الذاكرة الشخصية في طرح الأفكار. لا بدّ إذاً من ان يتغير أسلوب تقديم البرنامج كلياً، فيصبح برنامجاً يستقبل ضيوفاً يقولون معلوماتهم وآراءهم وانطباعاتهم الفعليّة، ونقدهم أحياناً، لا ما يحضره لهم معدو "غنيلي شوي"، ثم يفتعلون ارتجاله أمام الكاميرات... هكذا يعود الفنانون الكبار الذين اصطلح على تسميتهم "عباقرة النغم" الى الشاشة الصغيرة من خلال طبيعتهم وحقيقة حياتهم لا من خلال "طبيعة" بعض الخبريات السطحية المبرمجة و"حقيقة" بعض "الحواديت" التي لا تغني ولا تسمن من جوع. والمشاهد كما هو معروف متشوّق للمعرفة الدقيقة والثابتة، ولاكتشاف ما كان يحدث في زمن الفن العربي الأصيل. ولو ان سمر كمّوج تكتفي بأن "تمثّل" هي المعلومات التي لديها عن الفنانين المقصودين بالحلقة لهان الأمر، أما وأنها "تفرض" على ضيوفها في الاستديو مشاركتها "التمثيل" في طرح المعلومات فذلك ما يؤدي بالبرنامج الى ان يصير حفلة مدرسية أسبوعية يفوز فيها الأكثر قدرة على الاستظهار! ولو ان سمر تكتفي بأن تغني هي في حلقة دون أخرى لهان الأمر أيضاً، أما وأنها تغني "علناً" في كل حلقة ما تشاء، ثم تغني "همساً" مع الضيوف المغنين أغنيات العمالقة في الحلقات أيضاً، فذلك ما يفتح في البرنامة باب "الاستعراض" الذي لا تمتلك سمر كمّوج كامل الموصفات لولوجه. لعل المشكلة هي ان سمر كموج لا تعرف ما هي نقاط الضعف في صوتها، حتى وهي تعرف نقاط القوّة فيه، فكيف إذا كانت لا تعرف بدقة وتفصيل نقاط القوّة ذاتها. لا نعني ان صوت سمر كموج غير قدير، بل نعني ضرورة ان تدرك كيف تطرح موهبتها وفي الشكل الصحيح والموقع الصحيح بناء على قاعدة أساسية معروفة، هي ان كل تجربة فنية فيها نقاط قوة ونقاط ضعف، ومن الذكاء معرفة ذلك والالتزام به. في "غنيلي شوي" يذهب تلفزيون "المستقبل" الى التراث، وهذا ممتاز... لكن البرنامج يفتقر إلى العفويّة، ويشكو من خطو متعثّر، وسير مترنّح... ولا بأس من تصحيح هذا المسار.