استجاب في التاسع من آب أغسطس الماضي ستة من قادة المعارضة العراقية عبد العزيز الحكيم عن المجلس الاسلامي الأعلى، جلال الطالباني عن الاتحاد الوطني الكردستاني، هوشيار زيباري عن الحزب الديموقراطي الكردستاني، احمد الجلبي عن المؤتمر الوطني، اياد علاوي عن حركة الوفاق، وعلي بن الحسين عن الحركة الملكية لدعوة مشتركة من الخارجية والدفاع الاميركيتين، للاجتماع في واشنطن. وخرج المجتمعون ليعلن ناطق باسمهم "اتفقنا على عقد مؤتمر للمعارضة العراقية مع جميع قوى المعارضة لضمان تمثيل كاف لكل الشعب العراقي وقواه السياسية التي تعارض الدكتاتورية". وما كان لهذا الاجتماع ان يعقد اصلاً لولا الرعاية المشتركة من جانب الخارجية والدفاع الاميركيتين، طرفي الصراع الخفي والمحموم بشأن التعامل مع المعارضة العراقية، الامر الذي فسره البعض بنهاية ذلك الصراع. فعلى رغم ان مجموعة الستة هم اصلاً اعضاء في المؤتمر الوطني العراقي الذي تأسس في اجتماع صلاح الدين للمعارضة عام 1992، الا ان المؤتمر الوطني فقد الكثير من أهميته عندما اصبح مجرد اداة اعلامية ابان سياسة الاحتواء الاميركية، فجمد المجلس الاسلامي وحركة الوفاق عضويتيهما فيه، وقبل ذلك خرجت قوى اخرى الحزب الشيوعي والدعوة الاسلامية، كما شكل في ما بعد الحزبان الكرديان مع حركة الوفاق والمجلس الاسلامي تكتلاً اصبح يعرف ب "مجموعة الاربعة". ولكن تبني الادارة الاميركية بعد حادث 11 ايلول سياسة اسقاط النظام العراقي اعادت المؤتمر الوطني الى الواجهة وبالتالي حقق خروج الآخرين او تجميد عضويتهم في المؤتمر عكس ما كانوا يريدونه: انفراد احمد الجلبي بزعامة المؤتمر، اذ استطاع بتحالفه مع اليمين الاميركي ولا سيما مع "المحافظين الجدد" ان يصبح رجل "البنتاغون" وبالذات صقوره في التعامل مع العراق والمعارضة العراقية. وآخر دليل الى هذا الانحياز قرار البنتاغون حصر ترشيح العراقيين للتدريب العسكري بأحمد الجلبي مما أثار حفيظة قوى المعارضة الاخرى المتعاونة مع واشنطن. تعرف المعارضة العراقية جيداً ان النظام العراقي غير مؤهل للتغيير الذاتي او الوقائي، وان اميركا وحدها تملك مفتاح التغيير في العراق. وتدرك هذه المعارضة، لا سيما مجموعة الاربعة، اين تكمن قوة الجلبي، وعليه فهي تتعامل معه وتقبله شريكاً وطرفاً في أي فريق عمل قيادي. لكن المشكلة ان القوى التي تقف وراء الجلبي ترى فيه قائداً للآخرين ولمسيرة العراق بعد صدام وترفض التعامل مع القوى الاخرى التي كانت اصلاً في المؤتمر الوطني على قدم المساواة، الامر الذي يثير مخاوف الآخرين بأن لدى صقور الادارة أجندة غير معلنة تتجاوز حدود العراق وشعبه بما يورط عراق المستقبل بمغامرات هو في غنى عنها. واذا كانت الاممالمتحدة بالنسبة الى صقور الادارة غير ذات شأن Irrelevant، فكيف الحال بمعارضة عراقية منقسمة على نفسها. وأما الاكراد الذين هم بأمس الحاجة للحماية الامريكية من خطر صدام من جهة وتركيا من جهة اخرى فلن يكون امامهم خيار - حسب تقدير صقور الادارة - سوى الاذعان للشروط الاميركية بما في ذلك اسقاط شعار "الفيديرالية"، خصوصاً ان التغيير المرتقب سيتم تحقيقه باحتلال عسكري شامل للعراق، لا اعتماداً على تمرد شعبي او قوات "تحالف شمال" كردية او اسلامية. وبالاتجاه المعاكس لصقور الادارة الاميركية تؤيد الخارجية واجهزة الاستخبارات الاميركية ،التي تخشى ان تتحول عملية التغيير في العراق الى مغامرة غير محسوبة النتائج، الضغط من اجل مشاركة الاممالمتحدة ونجحت بتأييد من بريطانيا في اقناع الرئيس الاميركي بذلك على رغم معارضة نائبه وصقور الدفاع. وفي الوقت الذي اعتبر هؤلاء ان الاولوية هي لاسقاط صدام، أكد وزير الخارجية الاميركي باول ان اولويته هي نزع السلاح وليس اسقاط النظام، وما يزيد الامور تعقيداً تصريح الرئيس بوش اخيراً بأن استجابة صدام لقرارات الاممالمتحدة تعني عملياً تغيير النظام من دون الحاجة الى اسقاطه، وليس معروفاً اذا كان هذا التصريح صادقاً أم لتسهيل قبول مشروع القرار الاميركي المعدل في مجلس الامن. وتبقى الخارجية في حال فشل محاولاتها كسب مجلس الامن او تعنت بغداد مضطرة لاعتماد نهج التغيير ولكنها، مرة اخرى، تختلف مع البنتاغون في اعتبار التغيير ينتهي في العراق وليس بداية لتغيير كافة المنطقة. وللتدليل الى نشاط الخارجية في اوساط المعارضة العراقية فإنها تشغل نفسها والعديد من العراقيين في سلسلة من ندوات فكرية/اكاديمية عن عراق ما بعد صدام. في ظل هذه الاجواء اين موقع المعارضة، فالبعض منها ولاسباب مختلفة وضع نفسه في دائرة الرفض للدور الاميركي بأي شكل كان، ومن هؤلاء من هو على استعداد للاستجابة لخطوات اصلاحية يقوم بها النظام العراقي، اما الآخرون - وجميعهم يعوّل على الدور الاميركي من اجل التغيير في العراق - فأخذت تنعكس عليهم انقسامات الادارة الاميركية، فأنحازت زعامة المؤتمر الوطني الى صقور الادارة بينما ساد مشاعر الاخرين ولا سيما العناصر الليبرالية العلمانية تناقض بين تأييد الصقور في حماستهم للتغيير والخشية من محاولتهم فرض زعامة عراقية وأجندة سياسية تتجاوز حدود العراق،. وكان العراق دفع ثمناً باهظاً كآداة في ضرب ايران الثورة، ويخشى ان يراد له الآن ان يلعب دوراً مماثلاً ضد انظمة اقليمية اخرى. وترى هذه الاوساط الليبرالية التي تتطلع الى تحالف استراتيجي مع الولاياتالمتحدة ان مصلحة العراقوالولاياتالمتحدة هي في قيام عراق القدوة الصالحة كنموذج للاصلاح السياسي والاقتصادي بما يعطي العراقيين وابناء المنطقة نموذجاً صالحاً للاقتداء بعيداً عن التطرف الاصولي. فعراق حليف لاميركا كتحالف الاخيرة مع اليابان سيغنيه عن اسلحة الدمار الشامل ويمكنه من التفرغ لاعادة بناء البلاد بعيداً عن أي مغامرات خارج حدوده، وان فرص التحول الديموقراطي في العراق بعد التغيير مرهونة بعودة العراق الى نفسه صديقاً لمن يريد صداقته لا رأس حربة لطرف اميركي يريد تغيير المنطقة حسب مقاساته الخاصة. لذا كان رد فعل القوى والشخصيات العراقية المؤيدة للدور الاميركي في العراق ايجابياً تجاه فكرة عقد مؤتمر شامل لهذه القوى يعيد لها وحدتها التنظيمية، خصوصاً ان الادارة بأجنحتها المختلفة تبنت فكرة المؤتمر الشامل للمعارضة. فعلى رغم عدم حسم الادارة الاميركية لخلافاتها إلا ان عقد المؤتمر العام يوفر فرصة للمعارضة لحسم خلافاتها واختيار قيادة مشتركة، خصوصااً ان هناك اطرافاً اميركية باتت تدعو الى حكم عسكري بقيادة جنرال اميركي، نتيجة عدم ثقتها بقدرة المعارضة على تولي الحكم، واقولها صراحة ان البعض من العراقيين فضل هذا الخيار على استمرار صراع اجنحة المعارضة العراقية. ولكن بعد مضي اكثر من شهرين على اجتماع واشنطن لمجموعة الستة مع ممثلي الخارجية والدفاع، لم يتوصل "الستة" الى قرار نهائي بخصوص عقد المؤتمر وجدول اعماله. كتب مساعد وزير الخارجية الامريكية مارك غروسمان رسالة رسمية الى الستة بتاريخ 11 تشرين الاول اكتوبر يذكرهم بالقرار الذي اتخذ في اجتماع 9 آب بأن يتولى الستة الاعداد "لمؤتمر عريض وشامل للمعارضة يكرس مجموعة مبادىء تخص مستقبل العراق، بما في ذلك قيام عراق ديموقراطي، متعدد الاثنيات، موحد، خال من اسلحة الدمار الشامل، يعيش في سلام مع جيرانه". اما من الناحية التنفيذية فواجب المؤتمر، حسب ما جاء في الرسالة، هو "تشكيل لجنة قيادية Steering Committee كي تتعامل معها الادارة وتستشيرها على اسس منتظمة". واضاف غروسمان معرباً عن ثقته بأنهم سيشركون الاشوريين والتركمان والاخرين في التخطيط لهذا المؤتمر بما يضمن شموليته والدعم الواسع له. لم تكن العقبة اما عقد المؤتمر الخطاب او الرؤية السياسية لعراق ما بعد صدام، فهذه اتفق عليها منذ مؤتمر صلاح الدين للمعارضة، ولكن العقبة هي في اختيار الاسماء المشاركة في المؤتمر والاكثر صعوبة اختيار/ انتخاب اللجنة القيادية، او كما تسميها "مجموعة الستة" ب "لجنة المتابعة" بأمل التخفيف من اهميتها وعدم اثارة مخاوف واطماع الاخرين. اتفقت اللجنة التحضيرية على اعتماد التوافق اساساً لاعتماد القرارات، وتمكنت بعد فترة تزيد عن الشهرين من الاتفاق على لائحة الاسماء المدعوة للمشاركة في المؤتمر، من دون التطرق الى قضية اللجنة القيادية او اسلوب اختيارها. فقيام هذه اللجنة يعني - حسب رسالة الخارجية الاميركية - تحولها الى ممثل للمعارضة العراقية ومحاور معترف به من قبل وااشنطن تحل عملياً محل المؤتمر الوطني او أي أطار جمعي آخر. ولا بد ان تحمل هذه اللجنة القيادية في طياتها بذور الحكومة الانتقالية في العراق بعد التغيير العسكري. ان اختلاف اللجنة التحضيرية على اسماء المشاركين، رغم اتفاقهم على اتخاذ القرارات بالتوافق والاجماع، يعني هناك احتمال تغير شروط اللعبة لصالح الانتخاب خلال الاجتماع خاصة في ما يخص اللجنة القيادية، الامر الذي دفع كل طرف للمبالغة في عدد المشاركين من أنصاره بحجة او بأخرى. السؤال: في غياب الاتفاق بين مجموعة الستة حول اللجنة القيادية، هل سيعتمد الانتخاب، وهل ستكون اطراف الخلاف على استعداد لقبول نتيجة الانتخاب/ الاختيار اذا لم تكن لصالحها؟ سيجد زعيم المؤتمر الوطني د. احمد الجلبي صعوبة في قبول مشاركة عناصر منافسة له، في وقت يتمتع بثقة صقور الادارة الاميركية وبجهاز ل "المؤتمر الوطني" يموّل بالملايين من جانب الادارة ويقوم البنتاغون بتدريب رجاله؟ خصوصاً ان التغيير ستقوم به القوات الاميركية وليس المعارضة. ومن المنطلق ذاته ما هي مصلحة صقور الادارة في شراكة المجلس الاسلامي ذي العلاقة الخاصة بايران، او الاكراد وما يمثلونه من عامل ازعاج لحليفة اميركا الاطلسية تركيا، ناهيك عن زعيم الوفاق اياد علاوي "البعثي" السابق!؟ يستطيع الجلبي في حال عدم استجابة الاخرين لرغباته، وبدعم من صقور الادارة، ان ينسف المؤتمر ويفشله بمجرد الانسحاب، كما ان رضوخ الاكراد لرغبة الجلبي يكرس انسحاب المجلس الاسلامي وحركة الوفاق ما يؤدي الى النتيجة ذاتها. فالحزبان الكرديان ليسا في وارد الصراع - بأي شكل من الاشكال - مع الادارة الاميركية او اي جناح من اجنحتها، وما وجودهما في وقت واحد في المؤتمر الوطني وخارجه مع مجموعة الاربعة إلا شهادة على الوضع الخاص/ الشاذ للاكراد. ولكن اذا كانت هذه الحال مقبولة في ظروف سياسة الاحتواء الاميركية، والاكراد يتمتعون بمناطقهم المحررة، فإن الامر يختلف اليوم تماماً مع قرب الضربة الاميركية لنظام بغداد، فهناك سيحسم مستقبل كردستان العراق. اذاً، فالمصلحة الكردية تجعل من نجاح المؤتمر ضرورة، ليس لاعتبارات كردية فحسب بل كذلك لاعتبارات عراقية. فبمقدار ما هو في مصلحتهم كسب فصائل المعارضة العراقية للوقوف بوجه الرفض الاقليمي للفيديرالية فإن خوفهم اكثر من قيام حكم عسكري بقيادة جنرال اميركي او انقلاب عسكري يعيدهم الى نقطة الصفر مجدداً، من هنا مصلحة القيادات الكردية في وحدة المعارضة التي سبق لها ان كرست "الفيديرالية" كمبدأ في اكثر من مناسبة. ومن اجل ضمان المشاركة الاوسع لا بد من السعي الجدي والصادق الى مشاركة الحزبين الشيوعي والدعوة الاسلامية وغيرهما من قوى مناهضة للدكتاتورية، كذلك فإن سلامة المشاركة التركمانية والاشورية تتطلب رفع وصاية الآخرين عنهم. ولكن الاصعب هو حالة الانقسام في صفوف المعارضة العراقية "العربية" الامر الذي يعطي القيادات الكردية فرصة للعب دور "تحالف الشمال" الافغاني سياسياً وان لم يكن عسكرياً. فالفشل خيار مرفوض كردياً ولكن مستلزمات نجاح المؤتمر تبقى ناقصة باستمرار صراع أطراف تلقى الدعم من اجنحة اميركية متناقضة. واذا لم يتم التأكد من نجاح المؤتمر نجاحاً حقيقياً يصبح تأجيله أفضل من عقده، الا اذا حسم البيت الابيض صراع الاجنحة الاميركية بالتعامل مع هذه المعارضة من خلال الدعوة الى اجتماع على غرار مؤتمر بون للمعارضة الافغانية بما يخرج بقيادة موحدة ستكون الأقدر على الدعوة الى مؤتمر موسع للمعارضة يؤكد وحدتها ويضمن نجاحها. * كاتب عراقي، لندن.