"حان الوقت لرفع الأيدي" في مجلس الأمن... "حان الوقت لإنهاء الأوضاع الظالمة" في الشرق الأوسط. نموذج من السجال الأميركي - الفرنسي الذي لا يريد له الرئيس جورج بوش ان يستمر مثل حوار الطرشان، وهو يستعجل اخضاع الأممالمتحدة، تمهيداً للحرب على العراق. وبين الأسباب بالطبع، تلك الأيام القليلة الباقية قبل موعد الانتخابات النصفية للكونغرس، وان كان الهدف حرباً صفتها حتمية، وإلا لما وجِد مبرر لحوار الطرشان. أما باريس فربما يصح اعتبار صرختها اكثر من "صحوة" وأقل من "تمرد" على السطوة الأميركية التي تلوح بسوط نعي الأممالمتحدة، بالتالي إلغاء أدوار الآخرين، في نادي الخمسة الكبار. في المقابل لا يبدو الغضب الفرنسي من "الظلم" في الشرق الأوسط، والذي اختار الوزير دومينيك دوفيلبان عباراته بعناية لتفادي اتهامه بالانحياز الى الفلسطينيين، مجرد صحوة متأخرة على معاناتهم التي لم تستحق من البيت الأبيض اكثر من كلمات أسف. وتدرك باريس ان رسالتها وصلت الى واشنطن: كيف يؤيد الكبار القوة العظمى في انجرارها الى حرب ستوقع آلافاً من القتلى في العراق، فيما أجبرتهم على التفرج شهوراً طويلة على كل المآسي والنكبات التي ما زالت تتوالد نتيجة حرب شارون؟ وهل يمكنهم الانسياق تحت عصا الشرطي الكبير بذريعة عجز الأممالمتحدة؟ حتى الآن، يصعب الظن في ان الصرخة الفرنسية هي مجرد لازمة في سيناريو اخراج القرار "العراقي" في مجلس الأمن، والذي سينتهي الى قنواته المحتومة: اتهام بغداد بالغش بعد عودة المفتشين، واستفزازها لاستفزازهم، كي يكتمل الفصل ما قبل الأخير ويُعطى البنتاغون الضوء الأخضر لبدء حرب الخليج الثالثة، ولو منفرداً مع حلفاء تفصلهم قارات عن العراق. وإذا كان مفارقة ان تتساوى ضغوط بوش وتهديداته لنظام الرئيس صدام حسين، مع انذاراته المتتالية للمنظمة الدولية، فلا أحد - في المقابل - من المئة ألف اميركي الذين تظاهروا أمام البيت الأبيض يمكن ان يسلّم بأن "خريطة الطريق" الى الديموقراطية في العالم العربي التي يرسم خطوطها الوزير كولن باول، تستحق ذلك الثمن الباهظ، "ملحمة" العراق الآتية... أو يفترض مصيراً أفضل لها من غيرها من الخرائط الاميركية. ولكن على رغم كل الفوارق بين غضبة الاميركيين على حرب فيتنام وخوفهم من إبادة آلاف من البشر لإطاحة صدام، تبقى المشكلة ان العالم كله يقف عاجزاً أمام قرار سينفذ. بهذا المعنى تصح شعارات بغداد التي لا تجد في الاممالمتحدة سوى ناطق رسمي باسم الولاياتالمتحدة. ألا يريد بوش من كبار مجلس الأمن رفع الأيدي، بالأحرى رفع الأصابع بنعم، لأن "لا" لها ثمنها، ولا باريس أو موسكو أو بكين قادرة على تحمل كل أكلافه؟ أيام قليلة هي بعدد أصابع اليد، مهلة اميركية اخيرة للحسم مع خيارين: فإما نعم كبيرة للشرطي الكبير، واذ ذاك يخاطر الدرك بكل أدوارهم، وإما لا، لا تبقي للأمم المتحدة أي وظيفة لدى واشنطن، وتنتصر دعوة الصقور الى الأمم الاميركية. أسود أو أبيض، مكيال واحد للجميع، وبوش لا يحب الألوان ولا الحلول "الوسط".