Joss Dray & Denis Sieffert. La Guerre Israelienne de L'Information: Desin Formation et Fausses Symetries dans le Conflit Israelo-Palestinien. حرب الاعلام الاسرائيلية: التضليل الاعلامي والتناظرات الكاذبة في النزاع الاسرائيلي-الفلسطيني. La Decouvert, Paris. 2002. 128 Pages. الحرب الحديثة، قبل ان تكون حرباً عسكرية، هي حرب كلمات وصور. فعندما اجتاحت الدبابات الاسرائيلية المدن الفلسطينية في 28 شباط فبراير 2002 وحاصرت مقر ياسر عرفات في رام الله ودمرت ما دمرته وقتلت من قتلته، من دون ان تصطدم بمعارضة فعالة من قبل المجتمع الدولي، فانها لم تفعل سوى انها حصدت عسكرياً ما كانت بذرته اعلامياً على امتداد الاشهر الثمانية عشر السابقة لهذا الاجتياح الاسرائيلي لمناطق السلطة الفلسطينية. فمن فشل مفاوضات كامب ديفيد الثانية في تموز يوليو 2000 كانت اسرائيل قد شرعت حربها الاعلامية الواسعة النطاق والمحكمة التخطيط لتحميل عرفات مسؤولية ذلك الفشل ولاسقاط الصفة الشرعية عن السلطة الفلسطينية في نظر المجتمع الدولي. خطة التضليل الاعلامي هذه لم توضع قبل كامب ديفيد بل بعدها مباشرة، وايهود باراك هو من اخذ المبادرة اليها. وهو بذلك ما كان ينفّذ "مؤامرة" مسبقة الاعداد، كما اكدت لاحقاً بعض اجهزة اعلام السلطة الفلسطينية، بل كان يحاول انقاذ ما يمكن انقاذه من نجوميته استعداداً للمواجهة الانتخابية القادمة. وبمعنى ما، يمكن القول ان باراك كان صادقاً مع نفسه. فهو لم يذهب الى كامب ديفيد طالباً للفشل، بل ذهب اليها طالباً للنجاح. وليس من شك في انه كان يريد السلام، ولكن لا السلام المتفاوض عليه والممكن قبوله من الطرف الفلسطيني، بل السلام على شروطه هو. وبما ان الطرف الفلسطيني ما كان يمكنه القبول بتلك الشروط، جرى تصوير رفضه على انه رفض للعرض "الكريم" الذي قدمه باراك. وعلى هذا النحو، وخلافاً لمنطق "المؤامرة" فان قصة كامب ديفيد لم تُكتب قَبْلياً، بل كُتبت بَعدياً، بحيث يظهر عرفات وكأنه وحده الذي يتحمل مسؤولية ذلك الفشل. لكن المأساة ان اعادة البناء الايديولوجي هذه لمفاوضات كامب ديفيد، في الوقت الذي عادت فيه بالوبال على عرفات وعلى الفلسطينيين، لم تخدم باراك. فشارون هو من حصد ما بذره باراك، وهو من استفاد من الكتابة البعدية لقصة كامب ديفيد ليقنع الناخبين الاسرائيليين باستحالة السلام مع الفلسطينيين، وليصفي بالتالي معسكر انصار السلام في الداخل الاسرائيلي قبل ان ينتقل الى تصفية السلطة الفلسطينية والقيادة العرفاتية ابتداء من 28 شباط 2002. تفكيك هذه الكتابة البعدية لقصة كامب ديفيد هي المهمة التي يأخذها على عاتقهما، بمنتهى الذكاء والشجاعة معاً، مؤلفا هذا الكتاب عن "حرب الاعلام الاسرائيلي": جوس دراي، المصورة الفوتوغرافية التي كان سبق لها تنظيم عدة معارض عن "ذاكرة الشعب الفلسطيني"، وديني سيفرت، مدير تحرير مجلة "بوليتيس" الاسبوعية، الذي سبق له بدوره ان انجز العديد من التحقيقات عن لبنانوفلسطين واسرائيل، والشرق الادنى عموماً، منذ 1986. والواقع ان مسألة تحديد من يتحمل المسؤولية عن فشل مفاوضات كامب ديفيد الثانية كان يمكن ان تكون محض مسألة تهم المؤرخ لولا ان الامر لا يتعلق بشخص عرفات وحده، بل بالفلسطينيين كشعب وكقضية. فرفض عرفات لعرض باراك "السخي" جرى تصويره كما لو انه يعبّر عن الطبيعة "العقيقة" للشعب الفلسطيني بوصفه شعباً كارهاً للسلام ومحباً للعنف. ولقد تضافر عاملان ليس بينهما في الواقع علاقة علة بمعلول على دمغ الفلسطينيين بصفة العنف الطبيعي تلك: الانتفاضة الفلسطينية الثانية التي دشنتها زيارة شارون لحرم المسجد الاقصى في ايلول سبتمبر 2000 والاعتداءات الارهابية التي تلتها بعام واحد على نيويورك وواشنطن. وبديهي ان العنف الذي كان علامة فارقة للانتفاضة الثانية عن الاولى، الحق ضرراً كبيراً بقضية الفلسطينيين بقدر ما اضعف موقف انصار السلام الاسرائيليين واجبر العماليين على الدخول في حكومة وحدة وطنية مع الليكوديين بقيادة شارون. لكن عنف الانتفاضة الثانية يندرج في عقلانية مغايرة تماماً لتلك التي تندرج فيها اعتداءات 11/9 الارهابية. فالعنف الفلسطيني الذي بلغ اوجه مع عمليات الانتحاريين يظل قابلاً لقراءة سياسية: فسياقه هو سياق حرب استعمار وتحرر وطني. فمتى ما انتهى الاستعمار وتم الانسحاب من الاراضي الفسلطينية التي احتلت عام 1967، فقد العنف مبرره وتوقفت الحرب. اما الاعتداءات الارهابية على برجي مركز التجارة العالمي وعلى مبنى البنتاغون فسياقها الايديولوجي، سواء من منظور منفذيها ام من منظور "الصليبية" المضادة للارهاب التي يبدو ان الادارة الاميركية البوشية مصممة على شنها على مستوى العالم اجمع، هو سياق "حرب حضارات" او بتعبير ادق "حرب ديانات" لا يعلم الا الله وحده وهي تُشن باسمه متى تنتهي. ان اعتداءات 11/9 قدمت على طبق من ذهب ان جاز التعبير الفرصة والذريعة لحرب الاعلام الاسرائيلية لتجاوز طورها الباراكي الاولي وللدخول في طورها الشاروني الاشد اذية بما لا يقاس. فباراك كان يستهدف عرفات والقيادة الفلسطينية، اما شارون فيستهدف فضلاً عن ذلك الشعب الفلسطيني بما هو كذلك. فابتداء من 11/9 انفسح المجال على مصراعيه امام آلة الحرب الاعلامية الاسرائيلية للمرادفة و"الملغمة" بين الاعمال الارهابية التي يصعب على اثنين عاقلين ان يختلفا في ادانتها وبين اعمال عنف الفلسطينيين لا سيما منهم الانتحاريين التي جاءت تعبيراً عن الخيبة واليأس بعد فشل كامب ديفيد والانسداد في افق النضال الوطني الفلسطيني اثر تسنم شارون اكثر جنرالات الجيش الاسرائيلي دموية سدة السلطة في تل ابيب والقدس معاً. ومن دون مماراة في واقعة العنف الفلسطيني، لا سيما في سياق الانتفاضة الثانية، فان المؤلفين يؤكدان على وجود سببية سياسية لهذا العنف. والحال ان كل استراتيجية حرب الاعلام الاسرائيلية تقوم على نفي هذه السببية، وتعتبر ان "البحث عن الاسباب" هو بحد ذاته تواطؤ مع العنف وتبرير له وضلوع في "اللاسامية". وبديهي ان المؤلفين لا يماريان في واقعة اللاسامية، ولا يبرئان ذمة بعض المنظمات الفلسطينية منها، وتحديداً منها "حماس". لكن حتى هذه اللاسامية الفلسطينية، ان وجدت، فانها غير قابلة للماثلة مع اللاسامية الاوروبية. ففي اوروبا وجدت كراهية اليهودي اولاً، وبما هو كذلك. اما في فلسطين، فقبل ان توجد كراهية اليهودي وجدت كراهية المحتل. وزوال الاحتلال، وزوال المستعمرات في قلب الاراضي المحتلة عام 1967 من شأنه ان يقلب المعادلة. فعندما يكف الاسرائيلي عن ان يكون محتلاً، فسيكفّ عن ان يكون يهودياً مكروهاً. وبديهي ان الامور لن تحسم بمثل هذه الآلية البسيطة. ولكن كلما طال امد الاحتلال، وكلما طالت عذابات الفلسطينيين كشعب محتل، صعب اكثر فأكثر استئصال جذور الكره، وبالتالي العنف.