لمح الرئيس جورج بوش في تصريحات صحافية إلى اعتزامه إنتهاز فرصة لقائه مع نظيره الصيني جيان زيمين اليوم الجمعة لحض الصين على توظيف علاقاتها التاريخية مع جارتها كوريا الشمالية للضغط على بيونغ يانغ في شأن أسلحتها النووية، وإتخاذ موقف محايد عند مناقشة مجلس الأمن لقرار متشدد إزاء العراق معولا في ذلك على أن قمة مزرعة كروفورد تكساس ستكون بالنسبه لضيفه تتويجاً لحقبة من النجاحات الاقتصادية الضخمة التي حققتها الصين في السوق الأميركية ولا ترغب في تعريضها للمخاطر. بدأت الصين تحديث اقتصادها عام 1978، إلا أن المراقبين يعزون لزيمين الفضل الأكبر في تحويل مأساة ساحة "تيانانمين" عام 1989 إلى فرصة لجني ثمار العولمة الاقتصادية في حقبة ما بعد الحرب الباردة، وفي النتيجة ارتفعت قيمة الصادرات الصينية إلى السوق الأميركية من 15 بليون دولار عام 1990 إلى زهاء 100 بليون دولار العام الماضي ويحتمل أن تصل إلى 130 بليون دولار السنة الجارية، في حال حافظت على المعدلات التي سجلتها في الشهور الثمانية الأولى من السنة. ومع نمو صادراتها لترفع حصتها من إجمالي الواردات الأميركية من 6 في المئة عام 1995 إلى نحو 10 في المئة في النصف الأول من السنة، ضمنت الصين لنفسها المركز الرابع في لائحة كبار الشركاء التجاريين لأميركا علاوة على فائض ضخم في تجارة السلع والبضائع بلغت قيمته العام الماضي قرابة 84 بليون دولار، أي ما يزيد بنحو 31 بليون دولار عن الفائض الذي حققته كندا، أكبر شريك تجاري للولايات المتحدة، في الفترة المذكورة. وتتعرض الصين لانتقادات حادة في الكثير من الأوساط الأميركية بدعوى أن فائض مبادلاتها التجارية يشكل 20 في المئة من العجز المزمن الذي يعانيه الميزان التجاري الأميركي، إلا أن ذلك لم يمنع الفائض الصيني من الإرتفاع من 9.3 بليون دولار في تموز يوليو إلى 10.9 بليون دولار في آب أغسطس الماضيين على رغم تعرض التجارة الدولية والصادرات الصينية الى تراجع حاد بسبب الركود الاقتصادي الذي خفض العجز الأميركي مع دول الاتحاد الأوروبي في الفترة نفسها من 11 إلى 7 بلايين دولار. وتعتبر أميركا في الوقت الراهن ثاني أكبر شريك تجاري للصين وتشير أرقام صندوق النقد الدولي إلى أن السوق الأميركية استوعبت 38 في المئة من القيمة الإجمالية للصادرات الصينية العام الماضي، إلا أن الجانب الأهم في المكاسب التي حققتها الصين يتركز في ما اجتذبته من استثمارات من هذه السوق الضخمة لا سيما عمالقة الشركات الأميركية التي باتت عملياتها الإنتاجية في الصين تساهم بنحو نصف إجمالي الصادرات الصينية إلى أميركا. وتفيد وزارة التجارة الأميركية ومجلس الأعمال الصيني - الأميركي في واشنطن أن الاستثمارات الأميركية المباشرة في الصين قفزت من 200 مليون دولار سنة 1989 إلى 7.8 بليون دولار عام ألفين، وفي الشهور الثمانية الأولى فقط من السنة الجارية، وهو العام الأول لانضمام الصين إلى منظمة التجارة الدولية، تعاقدت الشركات الأميركية على تمويل اكثر من ألفي مشروع وبلغت قيمة الاستثمارات الجديدة 7.14 بليون دولار. استثمارات خليجية متواضعة وتعتبر الشركات الأميركية أكبر مستثمر في الصين إلا أن استثماراتها التي بلغت قيمتها التراكمية 70 بليون دولار لا تشكل سوى جزء يسير من الإستثمارات الدولية التي إستوعبتها الصين فعلياً وتقدر قيمتها الإجمالية بزهاء 400 بليون دولار ومن ضمنها قدر متواضع من الاستثمارات الخليجية، ما يفسر مبادرة الصين إلى إيضاح موقفها المؤيد للحل السياسي لكل من المسألتين الكورية والعراقية حتى قبل بدء زيمين زيارته الحالية لتؤكد بذلك أن مكاسبها في السوق الأميركية لا تعني تقديم تنازلات سياسية كبيرة. كذلك ترى الصين، حسبما قال مسؤولون في مجلس الأعمال الصيني - الأميركي، أن تنامي علاقاتها التجارية مع أميركا يعمل لصالح الاقتصاد الأميركي من واقع أن انخفاض كلفة الإنتاج الصيني، الذي يعتبر أهم عامل جذب للاستثمارات الأميركية إلى السوق الصينية، يساهم في الحد من التضخم في السوق الأميركية. وأكد اقتصاديون في هذا المجال أن الدور المتعاظم الذي تلعبه الصين في الإنتاج الدولي يشكل أحد أهم أسباب ظاهرة هبوط الأسعار لا سيما الكومبيوتر الذي انخفضت أسعاره بواقع النصف منذ 1993. وتحقق جزء كبير من الإنخفاض في أسعار الكومبيوتر في الشهور القليلة الماضية وبفضل المنافسة الملتهبة بين عمالقة شركات الكومبيوتر الأميركية التي تستثمر في عمليات إنتاجية في الصين، أصبح في مقدور الفرد الآن إمتلاك نظام حاسوبي شخصي كامل ذي مواصفات عالية مقابل مبلغ لا يزيد كثيراً على 500 دولار، والمثير بالنسبة للمستهكك أن الاقتصاديين لفتوا إلى مؤشرات تؤكد أن الأسعار مهيأة لمزيد من الانخفاض في الأعوام المقبلة. ويكمن أحد أهم المؤشرات المذكورة في الدور المهيمن الذي باتت الدول الآسيوية النامية، وفي مقدمها الصين، تلعبه في السوق الدولية لمنتجات التكنولوجيا مثل أجهزة المكاتب والاتصالات، إذ رفعت حصتها من صادرات هذه المنتجات من 22 في المئة عام 1990 إلى 32 في المئة العام الماضي، بينما انخفضت حصة أميركا في الفترة نفسها من 17.7 إلى 15.3 في المئة وكذلك تقلصت حصة اليابان إلى النصف لتصل إلى 10 في المئة. وتوقع الاقتصاديون أن يكون ما تحقق للدول الآسيوية النامية في سوق منتجات التكنولوجيا وعلى رغم ضخامته مجرد بداية من شأنها أن تتطور بسرعة مع تعاظم الخبرات المحلية لهذه الدول التي ناهز عدد خريجي جامعاتها من المهندسين عام 1999 عدد خريجي جامعات أميركا واليابان والإتحاد الأوروبي مجتمعين، وبلغ عدد خريجي الجامعات الصينية فقط ثلاثة أضعاف عدد خريجي الجامعات الأميركية وضعفي عدد خريجي الجامعات اليابانية وضعف ونصف ضعف عدد خريجي الجامعات الأوروبية. وسيلعب استمرار تدفق الاستثمارات المباشرة دوراً رئيسياً في تقرير مدى تطور الانتاج الآسيوي، لكن الإقتصاديين يؤكدون أن التباطؤ الذي تعانيه اقتصادات الدول الصناعية في الوقت الراهن واشتداد حدة المنافسة وكذلك تدهور القوة التسعيرية لم تدع أمام الشركات المالكة للتكنولوجيا من خيار سوى تكثيف البحث عن السبل التي تتيح لها إحداث المزيد من الخفوضات في أسعار ما تطرحه من منتجات وخدمات. وأكد مؤتمر الأممالمتحدة للتجارة والتنمية وصندوق النقد الدولي احتفاظ الدول الآسيوية النامية بجاذبيتها الاستثمارية على رغم الظروف الاقتصادية والاستثمارية، إذ توقع المؤتمر أن تكون الاستثمارات الدولية المباشرة انخفضت من 1.2 تريليون دولار عام الفين إلى 750 بليون دولار العام الماضي. وأشار إلى أن الدول الصناعية خسرت قرابة نصف حصتها التقليدية.