تتحدث تقارير عن المساعي الجدية التي تبذلها الصين من اجل الانضمام الى منظمة التجارة الدولية، لكن بكين لا تزال مترددة لجهة تعهدها بتحديد موعد مؤكد لتحرير قطاع الخدمات لديها وفتحه امام المنافسة الاجنبية والغاء التعرفة التي تفرضها على الواردات من السلع الصناعية. وأعلن مسؤولون في وزارة الخارجية الصينية اخيراً ان رئيس الوزراء الصيني يحث الزعماء الأوروبيين على مساندة بلاده في مفاوضاتها مع منظمة التجارة الدولية مؤكداً في الوقت نفسه على ان تقوية العلاقات مع المجموعة الأوروبية لن يكون على حساب المصالح الصينية، وان السياسة الخارجية للصين لا تتضمن الانضمام الى أية تكتلات او احلاف عسكرية! ولاقت هذه الدعوة استجابة من المسؤولين الأوروبيين اذ سارعوا الى مساندة الصين في طلبها الانضمام الى منظمة التجارة الدولية، موضحين ان بكين أوفت ببعض الالتزامات لاسيما في ما يتعلق بمعاملة الشركات الاجنبية ومساواتها بالشركات الوطنية وأنه لا يوجد اي تمييز بين الشركات الأوروبية ونظيراتها الوطنية في السوق الصينية. ومن اجل الحصول على مساندة الدول الأوروبية في مسعى بكين لجهة الانضمام لمنظمة التجارة الدولية اعلن رئيس الوزراء الصيني زو رو نجي ان بلاده لم تلجأ الى تخفيض سعر صرف العملة الوطنية "يوان" اثناء الازمة المالية لدول جنوب شرق آسيا بهدف تحقيق الاستقرار المالي الدولي، كما اعلن عن حاجة الصين لأن توفي المجموعة الأوروبية بالتزاماتها تجاهها، خاصة في ما يتعلق بالاستثمارات الاجنبية اللازمة لمواجهة النقص الحاد في تدفق الاستثمار الى الصين بسبب الأزمة الآسيوية. ولكن وجهة النظر الاميركية جاءت بان استعداد الصين للانضمام الى منظمة التجارة الدولية ليس كافياً لدرجة تخولها الان ان تصبح عضو فيها. وكانت المجموعة الأوروبية رحبت الشهر الماضي بالتزام الصين القوي اصلاح نظامها الاقتصادي، وبالأسلوب الذي تتبعه لتنفيذ خطوات الاصلاح. وكانت المجموعة الأوروبية انها تقدر بصفة خاصة الاجراءات التي اتخذتها الصين في شباط فبراير الماضي والمتعلقة بعملية الاصلاح الاقتصادي خاصة فيما يتعلق بنظامها المصرفي والمؤسسات المملوكة للدولة واقترابها من اتباع سياسة الاقتصاد الحر وهو ما تطلبه منظمة التجارة الدولية. كما اعربت عن ترحيبها بالخطوات التي اتخذتها تجاه الانضمام لمنظمة التجارة العالمية. وعبرت الصين عن ترحيبها بما اعلنته المفوضية الأوروبية تجاه الصين، ومساندتها الانضمام للمنظمة الدولية وأن تصبح عضواً فاعلاً في وقت مبكر على اساس متوازن من الحقوق والالتزامات، كما اعلنت المجموعة الأوروبية عن ترحيبها بالخطوات التي اتخذتها الصين حيال الازمة المالية لدول جنوب شرقي آسيا خاصة فيما يتعلق بعدم تخفيض سعر صرف عملتها، والتزامها بالاستمرار في عملية اصلاح النظام المالي والاقتصادي، وأعلن الجانبان عن اعتقادهما بأن دول جنوب شرقي آسيا لن يكون بمقدورها التغلب على ازمتها المالية فحسب بل انها قادرة على تنفيذ عمليات اصلاح فعالة. ويذكر ان الصين لجأت اخيراً الى تقديم مقترحات تتعلق بتخفيض التعرفة الجمركية لديها من 16.6 في المئة الى 10 في المئة بحلول سنة 2005. وسيغطي الخفض اكثر من خمسة آلاف منتج صناعي. ويتوقع لهذه المقترحات ان تؤدي الى كسر جمود المفاوضات المتعلقة بانضمام الصين لمنظمة التجارة الدولية. وعلق المسؤولون الأوروبيون بأن مقترحات الصين تعتبر "علامة ايجابية ونوعاً من الالتزام" من العاصمة الصينيةبكين تجاه الشروط الموضوعية للانضمام لمنظمة التجارة الدولية، ولكن الولاياتالمتحدة الاميركية تعتبر هذه التخفيضات غير كافية لأن الصين تلجأ الى تحرير خدماتها على اساس قطاعي جزئي وليس على اساس قطاع الخدمات بأكمله. الصين متفائلة ومن جانبها اعلنت الحكومة الصينية انها تتحرك باتجاه عضوية منظمة التجارة الدولية، وأعربت عن تفاؤلها بخصوص حقيقة عدم خفضها سعر صرف العملة لديها باعتباه تضحية تقدمها الصين من اجل استقرار النظام المالي الدولي. وقالت انها تأمل ان يساهم ذلك في دعم خطواتها نحو الانضمام لمنظمة التجارة الدولية. الانضمام لمنظمة التجارة الدولية والتي استمرت اكثر من اثنتي عشر عاماً حققت تقدماً كبيراً. وتأمل الصين في انضمامها للمنظمة خلال السنة الجارية اذ ان اي تأخير في عملية الانضمام سيُصعب انضمامها لمنظمة التجارة الدولية سنة 1999. واعتبرت الصين ان اتهام الولاياتالمتحدة لها بعدم اخذ خطوات جدية نحو عملية الانضمام افتراء، وان الدليل على ذلك ان الصين لم تنتهز فرصة الازمة التي حدثت لدول جنوب شرق آسيا ولم تلجأ الى تخفيض سعر صرف عملتها، ما يثبت ان الصين عضو مسؤول في المجتمع الاقتصادي العالمي، كما يعكس ان هدف الصين لن يكون مجرد زيادة الصادرات. وأضاف ان الصين تأمل ان يتفهم المجتمع التجاري الدولي الموقف الصيني المسؤول، وأن يساهم ذلك في دعم خطواتها نحو الانضمام لمنظمة التجارة الدولية. وعلق الكثير من الخبراء على الخطوات التي اتخذتها الصين للانضمام لمنظمة التجارة الدولية وقال رئيس معهد الفيليبين لدراسات التنمية الدكتور بونتيانو انتال ان الدول النامية مثل الفيليبين ستكون في موقف قوي في منظمة التجارة الدولية في حال قبول الصين عضو في المنظمة نظراً لضخامة الصين وقوة تأثيرها المتوقع داخل المنظمة. وأضاف ان قطاع الزراعة في الدول الآسيوية، يحصل على مكاسب في حالة انضمام الصين لعضوية المنظمة. اصلاح اقتصادي فيما يتعلق بالاصلاح الاقتصادي في الصين اعلن السكرتير العام للحزب الشيوعي الصيني جيانغ زيمين اخيراً ان اصلاح المؤسسات المملوكة للدولة يقع على قمة اجندة السياسة الاقتصادية، وان التحرر والتخصيص يأتيان في المقدمة. ولأن الاحصاءات تشير الى ان 61 في المئة من شركات الاستثمار الاجنبي ونحو 50 في المئة من الشركات المملوكة للدولة تحقق خسائر، ولأن اجمالي خسائر الشركات الاجنبية زاد بنسبة 50 في المئة في عام 1996، أوضح زيمين انه من المزمع ترشيد او تصفية المؤسسات الصغيرة والمتوسطة المعروفة بعدم الكفاءة. وأضاف ان الحزب يتبنى سياسة صناعية تم تطبقها بنجاح خلال العامين الماضيين سواء على المستوى المحلي او مستوى المقاطعات، وان الاحصاءات تشير الى ان الانتاج الصناعي للصين زاد بنسبة 10.9 في المئة عام 1997. ان اصلاح القطاع الصناعي في الصين يتطلب التخلص من الشركات الخاسرة المملوكة للدولة، كما يتطلب تحرير قوانين العمل ورأس المال في القطاع الخاص اذا اريد لهذا القطاع زيادة انتاجيته، فالقطاع الخاص ورث حالة من الانكماش تتطلب تخفيف السياسة النقدية والائتمانية. وعلى رغم ارتفاع سعر الفائدة الحقيقي فإن هناك حذر تجاه تخفيف السياسة النقدية. وكانت اسعار الأوراق المالية في الصين شهدت خلال النصف الثاني من عام 1996 تحركات حادة اذ ارتفعت الاسعار الى مستوى يتراوح بين ضعفين الى ثلاثة اضعاف ما كانت عليه قبل ان تتدخل السلطات المعنية لاجراء التصحيح وتشديد القواعد التنظيمية لوقف اية مضاربات غير قانونية. وكانت الصين لجأت في نهاية 1997 الى تخفيض سعر فائدة الاقراض المصرفي بنحو 150 نقطة أساس ولكن هذا التخفيض لا يعتبر كافياً من وجهة نظر بعض الاقتصاديين. ان هناك حاجة ماسة لاصلاح القطاع المصرفي الصيني واعادة هيكلة المصارف، كما ان المشكلة الرئيسية التي تعاني منها المؤسسات غير المالية والشركات المالية غير القانونية التي اقامتها المحليات تنحصر في القروض غير المنتجة، اذ تشير الاحصاءات الى ان نسبة القروض غير المنتجة وديون بعض المؤسسات يشكلان نحو ثلث الناتج المحلي وان كان بعض المراقبين الاجانب يشيرون الى ان النسبة اكبر من ذلك. وأعلن مصرف الاستثمار الاميركي "ميريل لنش" ان نسبة القروض غير المنتجة بلغ 40 في المئة فيما اشارت وكالة التقويم الائتماني "ستاندرد أند بروذرز" نهاية العام الماضي ان نسبة الديون المعدومة ارتفعت الى 60 في المئة من الناتج المحلي الاجمالي، وان وضع الصين يعتبر الأسوأ بالمقارنة بكل من تايلاند وكوريا، ومن هنا فإن فتح الباب امام القطاع المالي للمنافسة الاجنبية سيكون المحك الأساسي للتغلب على مشاكل القطاع المصرفي. وتشير الاحصاءات الى ان اجمالي القروض القائمة في المصارف الصينية بلغت 735 بليون دولار عام 1996 فيما بلغت القروض غير المنتجة 145 بليون دولار، فإذا علمنا ان مجموع رؤوس اموال تلك المصارف بلغ 54 بليون دولار فانها من الناحية الفنية تعتبر مفلسة. والجدير بالذكر ان المعيار الدولي لنسبة القروض غير المنتجة والتي يمكن ادارتها لا يتجاوز 18 في المئة من الناتج المحلي الاجمالي وإذا زادت هذه النسبة عن ذلك فإن الدولة تكون في موقف حرج. وان تزايد هذه النسبة في الصين يقودنا الى ضرورة التعرف على وضع الجهاز المصرفي الصيني. آفاق مستقبلية يمر الاقتصاد الصيني في الوقت الحالي بفترة من الانكماش، فضغوط الاسعار خفت حدتها خلال السنوات القليلة الماضية سواء بالنسبة لأسعار المستهلك او اسعار التجزئة. ويواجه الاقتصاد الصيني بموجة من الانخفاض العام في مستويات الاسعار، وما يصاحبها من مخاطر. وأصبح من الواضح ضرورة تبني سياسة ائتمانية مخففة، فتخفيض سعر فائدة الاقراض المصرفي بنحو 150 نقطة اساس يعتبر البداية، وعلى رغم ان اصلاح المؤسسات المملوكة للدولة ترتب علىه حالة من الانكماش فإن هذا الاصلاح في المدى الطويل سيدفع بمعدل النمو الاقتصادي نحو الارتفاع. ومن هنا فإن اسعار الفائدة الحقيقة في ظل السياسة النقدية المتبعة في المرحلة الانتقالية يجب ان تكون دافعاً لتنشيط القطاع الخاص والطلب المحلي على العمالة لمواجهة الزيادة في عرض العمل الناتجة من ترشيد وإصلاح المؤسسات المملوكة للدولة، اذ تشير الاحصاءات الى ان نحو 10 في المئة من العاملين في العاصمة الصينيةبكين تم تسريحهم من الشركات الحكومية وسط اجراءات اعادة هيكلة الشركات المتعثرة التي تعاني من عمالة زائدة بها. ويذكر ان التقديرات غير الرسمية للبطالة التي اعلنها مسؤولون في جامعة بكين تشير الى ان معدل البطالة لا يقل عن 20 في المئة. ان صانعي السياسة الصينية يبدون ترددهم تجاه السياسة الائتمانية غير المتشددة تخوفاً من تزايد حالة الانكماش الاقتصادي المصاحب لانخفاض معدل النمو الاقتصادي للدول الآسيوية المجاورة للصين نظراً لارتباط الصين بهذه الدول والتي اضيرت من الازمة المالية الطاحنة التي ضربت دول النمور الآسيوية وبصفة خاصة كوريا الجنوبية. ويكفي ان نشير الى ان 29 في المئة من اجمالي صادرات الصين في عام 1997 اتجهت الى كوريا الجنوبية واليابان وأندونيسيا وتايلند وماليزيا وسنغافورة. ويتوقع ان ينخفض معدل نمو الصادرات خلال عام 1998 من 21 في المئة وهو المستوى الذي تم تحقيقه خلال عام 1997 الى 10.5 في المئة فقط في عام 1998م، فيما يتصاعد معدل نمو الواردات من 1.2 في المئة الى 12 في المئة. وفي مواجهة توقع انخفاض الصادرات الصينية وتدهور اسعار صرف عملات الدول الآسيوية فإن الخبير الاقتصادي الصيني فان غانج دعا الى اجراء خفض في سعر صرف العملة الصينية "يوان" على رغم اصرار رئيس الوزراء الصيني على تثبيت هذا السعر، وهذا بهدف زيادة قدرتها على المنافسة مع جيرانها من الدول الآسيوية. وتشير التوقعات الى ان الطلب المحلي الصيني لن يعوض الانكماش في معدل نمو الصادرات خلال الثمانية عشر شهراً المقبلة. وان ارتفاع سعر الفائدة الحقيقي والقلق حول الضمان الوظيفي ربما قيد الانفاق العائلي في الصين كما ان الانفاق الاستثماري خاصة من الاستثمارات الاجنبية المباشرة يتعرض ايضاً للانكماش. ومن المتوقع تقلص الاستثمارات الاجنبية المباشرة بنسبة تتراوح ما بين 10 - 12 في المئة، علماً بأن 80 في المئة من الاستثمارات الاجنبية في الصين في عام 1997 جاءت من دول آسيا التي أضيرت من الأزمة الاخيرة. اما لجهة القروض غير المنتجة وهي المشكلة الرئيسية التي تواجه المصارف الصينية فمن غير المحتمل علاجها في المستقبل القريب، اذ تشير الاحصاءات الى ان المخصصات التي وضعتها تلك المصارف لمواجهة هذه المشكلة بلغت 4.8 بليون دولار فقط لسنة 1998 مقابل 3.6 بليون دولار في عام 1997 وهذا لا يمثل سوى 2 في المئة فقط من اجمالي الديون المعدومة الأمر الذي يستلزم عدة عقود حتى تكون هذه المخصصات كافية. وفي صفة عامة تشير آخر التوقعات الى تدني معدل نمو الاقتصاد الصيني خلال عام 1998 الى نحو 8 في المئة بعد ان بلغ هذا المعدل 8.8 في المئة عام 1997 المعدل المستهدف كان 10 في المئة ونحو 9.7 في المئة في عام 1996. وكانت الصين قامت ككثير من الاقتصادات الاخرى السريعة النمو في آسيا باتخاذ تدابير للحد من فورة النشاط الاقتصادي مع استمرار تباطؤ تضخم اسعار التجزئة الى 6 في المئة بعد ان كانت نسبته 22 في المئة في عام 1994. وأفسح هذا التحكم السلس المجال امام استمرار التوسع، ولكن مواصلة النمو السريع مع انخفاض معدل التضخم تتطلب تقدماً ملموساً في اعادة الهيكلة، ورفع كفاءة المؤسسات العامة بما في ذلك تنوع الملكية وعلاج جوانب الضعف في القطاع المالي وتعزيز ايرادات الموازنة.