يعود الفضل الى الاتحاد الأوروبي في بقاء زعيم حزب العمال الكردستاني، عبدالله أوجلان، على قيد الحياة، ولم يلق المصير المحتوم للزعماء الأكراد طوال قرن كامل على أعمدة المشانق. فقد خففت المحكمة التركية عقوبة الإعدام، الصادرة في حقه في حزيران يونيو 1999، بتهمة الخيانة والانفصال، عملاً بالمادة 125 من قانون الجنايات التركي، الى السجن المؤبد. وجاء إلغاء عقوبة الإعدام في سلسلة اصلاحات انسجاماً مع المقاييس الأوروبية. ويبدو ما تفعله أنقرة من أجل نيل العضوية المنشودة من الاتحاد الأوروبي، وليس من أجل تركيا معاصرة ومتحضرة وديموقراطية. وهي نفسها التي لم تستطع حتى الآن هضم مقولة حقوق الإنسان. وطالبت دول الاتحاد الأوروبي أنقرة باحترام قواعد المحاكمة العادلة. وسبق أن حكمت أنقرة أعضاء في برلمانها، عام 1994 بالسجن خمسة عشر عاماً ب"جريمة" ابداء الرأي. وهذا لا يتطابق مع قوانين أو اجراءات المعاهدات الأوروبية لحقوق الإنسان. وعلى رغم أن حزب العمال لم يقم بأية عملية ضد أهداف أميركية، إلا أن واشنطن أدرجته على لائحة المنظمات الإرهابية، إرضاءً لأنقرة، العضو في حلف شمال الأطلسي، وجزاء تعاونها معها في خططها السياسية في المنطقة، خصوصاً إباحتها استعمال قاعدة انجرليك ضد العراق. فضلاً عن أن واشنطن ترى في حزب العمال عقبة بوجه تطبيق اتفاق أيلول سبتمبر 1998 - بين الحزبين الكرديين الكبيرين في شمال العراق، برعاية الوزيرة مادلين أولبرايت. وللاتحاد الأوروبي شروط سياسية ديموقراطية يجب استيفاؤها قبل دخول الدول في عضوية الاتحاد، تمكنه من رسم حدود الاتحاد وهوية دوله، بعد أن دخلت أوروبا مرحلة جديدة من التكامل والاندماج. فهي بدأت من مجموعة دول تتمتع الواحدة منها بكيان يملك أرضاً محددة وواضحة، وإرادة سياسية. وفي بداية تحول الهيكل الأساسي للبيئة الأمنية الأوروبية تبرز، بجلاء أكثر، أسئلة مستقبل الاتحاد وطبيعته وتوجهه النهائي. وهناك وجهات نظر أوروبية مختلفة، بعضها متباعد، في هذه القضايا. يضاف الى ذلك علاقاتها الأطلسية، ومدى تطابق مصالحها مع مصالح واشنطن، ما يجعل التفكير في بناء قواتها العسكرية الخاصة قوة التدخل السريع، القادرة على العمل في شكل مستقل عن الناتو، موضوعاً جديداً. وتولي واشنطنتركيا الأطلسية اهتمامها. فهي متاخمة للشرق الأوسط، وآسيا الوسطى، وشمال القفقاس، وتستطيع ان تتوغل عبرها، الى جوار الساحة الروسية، وفي المناطق الغنية بالثروات الطبيعية. وهو ما تراعيه استراتيجية الناتو الجديدة. وهذه الأمور تحتاج، من الاتحاد الأوروبي، التفصيل وتوخي الحذر في المعالجة مع أنقره، لارتباطها الأطلسي بواشنطن. وتتمثل المعايير الاتحادية الأوروبية في قرارات قمة كوبنهاغن 21 - 22 حزيران/ يونيو 1993، وهي وضعت ثلاثة معايير عملية من أجل توسيع الاتحاد: وجود ديموقراطية سياسية تحترم الأقليات، ووجود اقتصاد سوق قادر على مواجهة الضغط التنافسي وقوى السوق، والتبني الكامل لمكتسبات الجماعة الأوروبية كلها عند الانتساب. وعلى رغم ان تركيا بدأت، منذ الثمانينات، اعتماد الليبرالية كسياسة تجاربة لها، فقد عانت في 1994 جموداً في نموها الاقتصادي، بسبب الأزمات المالية، والعجز في القطاع العام، والتضخم المتزايد. وشهدت السوق المالية التركية مجدداً أزمتين في تشرين الثاني نوفمبر 2000 وشباط فبراير 2001. أسبابهما في الضعف البنيوي للنظام المالي التركي. وفي مواجهة المعيار الثالث، أخذت أنقرة ببرنامج صندوق النقد الدولي والبنك الدولي. ودعمها كل منهما بقروض جديدة مساهمة في كبح التضخم، وتعجيل الخصخصة، وتحقيق الإصلاح الضريبي، وضمان تسديد الديون، وإعادة تأهيل النظام المصرفي لمواجهة تحديات الانضمام الى الاتحاد الأوروبي. وتهدف تركيا، من وراء الانضمام الى الاتحاد الأوروبي، وهي مجتمع يبلغ 67 مليوناً، كثير الأزمات وتنتشر فيه البطالة، ومتوسط دخل الفرد فيه ثلاثة آلاف دولار، الى جعلها قاعدة انتاج حرة وضخمة، نظراً لتدني سعر اليد العاملة مقارنة بالمقاييس الأوروبية. ولكن السؤال الأوروبي هو: بماذا تسهم تركيا في الاتحاد؟ لذا تبدو الرهانات التركية غير واضحة، وربما بعيدة المنال. وإنجاز الديموقرطية في تركيا يصطدم بالحركة الإسلامية والإسلام السياسي، اضافة الى القوى المعارضة للنظام. وحين يشتد ضغط النظام التركي على الإسلاميين تعترض أوروبا على انتهاك حقوق الإنسان. لكن الأمر الرئيسي، من وجهة النظر الأوروبية هو المسألة الكردية. فمنذ العشرينات من القرن الماضي، تتغير الشكليات ويبقى جوهر النظرة الرسمية والمنهج التركي حيال الأكراد واحداً. فهل يكفي الغاء عقوبة الإعدام في حق أوجلان؟ دمشق - رشيد قويدر كاتب فلسطيني