من دمشق الى موسكو وصولاً الى روما تتابع فصول الملاحقة التركية لعبدالله أوجلان، زعيم حزب العمال الكردستاني، ومع كل خطوة تشعر انقرة بأنها حققت انتصاراً على عدوها الاول سرعان ما تكتشف تعقيدات التعامل مع القضية الكردية وملابسات العلاقة مع اوروبا وارتباط ذلك باصلاح الحياة السياسية التركية. استمرار متابعة أوجلان، منذ اعتقاله في روما، فرضت اصلاحاً على القانون التركي، فأمام الرفض الايطالي لطلب تسليم أوجلان الى انقرة، كونه محكوماً بالاعدام غيابياً والقانون الايطالي لا يسمح في هذه الحال بذلك، سارع وزير العدل التركي الى تقديم مشروع قانون، الى البرلمان، لإلغاء عقوبة الاعدام واستبدالها بالسجن المؤبد، الطموح التركي بالالتحاق بالاتحاد الاوروبي اصطدم على الدوام بأسباب عديدة من اهمها الديموقراطية وحقوق الانسان. عملية ملاحقة أوجلان مؤخراً ليست الا نتيجة لنجاح الضربات العسكرية المتلاحقة في اضعاف وانهاك حزب العمال في السنوات الثلاث الاخيرة، ما سمح بالاعتقاد بنجاح الحل العسكري للمشكلة واقتراب المعركة من نهايتها. وتدعم ذلك باتفاقات مع ايران وسورية ومؤخراً مع الزعامة الكردية في شمال العراق اكملت طوق الحصار على حركة أوجلان ومقاتليه. اذا كان النجاح العسكري يريح انقرة، والى حد كبير، من عبء عسكري واستنزاف اقتصادي تقدر تكاليف الحرب على حزب العمال ب 85 بليون دولار منذ عام 1984 بالاضافة لاكثر من 30 ألف قتيل الا انه يضع العاصمة التركية، مجدداً، امام ضرورة ايجاد حل سياسي الأمر الذي لم يتم في الماضي. مع اقتراب الحل العسكري من نهايته تواجه انقرة تحدياً سياسياً من شقين: الاول يتطلب معالجة المسألة الكردية ومعها قضية الديموقراطية وحقوق الانسان، والثاني يتمثل في ان انتصارها العسكري يدفع بحزب العمال باتجاه التحول الى حركة سياسية تنبذ العنف والارهاب وعلى شاكلة الجيش الجمهوري الايرلندي ومنظمة ال "ايتا" الاسبانية. منذ اعلان أوجلان عن الهدنة من طرف واحد، في يوم السلام العالمي، وحديثه المعتدل عن تمسكه بالجمهورية التركية ووحدتها، رأت اطراف سياسية وصحافية تركية ذلك تحولاً في استراتيجيته وسعياً الى كسب هوية سياسية ووجدت تلك الاطراف في اجتماعات ونشاطات البرلمان الكردي في المنفى على الصعيد الاوروبي تعبيراً عن ذلك. وفي اول تصريح له في روما اكد أوجلان نفس الانطباع حين قال ان رحلته باتجاه ايطاليا خطوة سياسية باتجاه السلام وانه لا يريد الحرب وانما الحوار مع تركيا واوروبا والولايات المتحدة. اقتناع اوروبا بنبذ أوجلان العنف والتحول الى العمل السلمي يعتبره بعض الاتراك كابوساً للسياسة التركية، ولن يفيد تركيز انقرة على تهمة الارهاب والمشاركة في الجريمة المنظمة في اقناع اوروبا بذلك. وعلى الرغم من الاصرار التركي على استرداد اوجلان فلا يبدو ان روما او اي عاصمة اخرى قد يلجأ اليها في ما بعد اذا اضطر لذلك، ستُقدم على ما امتنعت دمشق عن القيام به. فإدانة اوروبا للارهاب ولأعمال العنف لا تقلل من تعاطف واضح، على الصعيد البرلماني والشعبي الاوروبي، مع المسألة الكردية. ويلعب سجل تركيا، السيئ، والمُنتقد اوروبياً، في مجال حقوق الانسان والديموقراطية دوراً مهماً في اضعاف الموقف التركي وهدفه في منع التعامل الاوروبي مع أوجلان والحركة الكردية. هكذا فالسياسة التركية والمشكلة الكردية تدخلان مرحلة جديدة، فأي حكومة تركية ستجد نفسها بعد دورة كاملة من التمسك بالعمل العسكري كوسيلة وحيدة لمعالجة المشكلة الكردية وما رافق ذلك من اعاقة التحول باتجاه ديموقراطية صحيحة، في مواجهة حركة سياسية كردية تحظى بدعم وتأييد واضحين في اوروبا. اذا كان الغاء قانون الاعدام يمكن ان يتم بسهولة فان متابعة دمقرطة النظام لا يبدو انها ستتم بذات السهولة في ضوء ازمة تطاول الحكومة الحالية والاحزاب وتتوشح بالفساد والعلاقة مع المافيا، حكومة يلماز الحالية مهددة بالسقوط بسبب ذلك، ومشكلة التعامل مع الاسلام السياسي. وفي حين قد تواجه البلاد مشكلة اي حكومة يمكن ان تقود البلاد حتى موعد الانتخابات في نيسان ابريل القادم، اذا حُجبت الثقة عن يلماز وحكومته، فإن الانتخابات نفسها، وكما تشير استطلاعات الرأي، لن تؤدي الى وضع سياسي مغاير كثيراً عن الوضع الحالي. يبدو الحل العسكري الناجح في مواجهة أوجلان وحزبه أشبه باللاحل، فهو يدفع لخروج الحركة الكردية من تهمة العنف والارهاب، وذلك مرهون بمدى تحول أوجلان وحركته بذلك الاتجاه، كما ان اخراج أوجلان من شباك دمشق وملاحقته سيعيدان المشكلة الكردية من باب اوروبا الأوسع والأكثر تأثيراً. * كاتب فلسطيني