أماكن ومدن عدة في مصر لم تتبوأ بعد المكانة التي تليق بها في مناطق الجذب السياحي، أحدها مدينة الفيوم، تلك المدينة الصغيرة الساحرة القابعة في الصحراء الغربية. الفيوم هي أكثر واحات الصحراء الغربية صلة بوادي النيل، ولعل الاطلال وبقايا الآثار القديمة الكثيرة هناك هي خير دليل على أهميتها تاريخياً. وعلى رغم ان الفصل الأمثل لزيارة الفيوم هو الشتاء، الا انها تستقبل يومياً، وعلى مدار العام رحلات المدارس والجامعات والأسر المصرية الباحثة عن بعض المتعة بعيداً عن القاهرة، وان كانت جغرافياً لا تبعد عنها سوى مئة كيلومتر تقريباً. والفيوم هي واحة أصلاً، الا انها تعتمد على مياه نهر النيل في تلبية حاجاتها المائية، لا العيون والآبار. والطريف ان كثيرين يعتبرون ان الفيوم نموذج مصغر للقاهرة، على رغم ان الأخيرة تختلف عن الفيوم بالازدحام وارتفاع نسبة التلوث فيها. وتلعب قناة "بحر يوسف" في مدينة الفيوم، بالمقابل، دور نهر النيل في القاهرة. وتتراوح التفسيرات لمعنى الفيوم بين كلمة "فيوم" القبطية وتعني "بحر"، وقصص الفولكلور التي تؤكد ان الفراعنة وصفوها بأنها نتيجة عمل ألف يوم. وسواء صحت هذه التسمية أو تلك، إلا أن السائح ذا الأفق الواسع الذي لا يكتفي بتعليمات الدليل السياحي سيجد في الفيوم مصادر عدة للمتعة. وتقع سواقي المياه الخشبية الأربع خلف المكتب السياحي في المدينة، وهي تمثل نظام الري الزراعي في المدينة. وترفع السواقي مياه الري لتوزعها في الأماكن المطلوبة طوال العام، باستثناء شهر كانون الثاني يناير حين تتوقف للصيانة. وهناك عدد من المقاهي المفتوحة التي تقدم المشروبات والأكلات الخفيفة في المنطقة المحيطة بالسواقي. إذا اتجهت غرباً بعد ذلك، وعبرت الجسر الرابع على بحر يوسف، ستجد شارعاً جانبياً ذا سقف خشبي. هذه هي السوق. وعلى رغم انها ليست سوقاً سياحية، إلا أنها تستحق الزيارة. وهناك يمكنك شراء عدد من الهدايا التذكارية التي تشتهر بها المدينة، والمصنوعة من الخوص. وفي الفيوم عدد من المساجد التي تستحق الزيارة، منها ما يعود الى عهد السلطان قايتباي ومنها ما بناه الرئيس الراحل جمال عبدالناصر في الستينات. ونعود الى السواقي، وهذه المرة الى السواقي السبع وليس الأربع، وهي على بعد نحو 30 دقيقة مشياً على الأقدام من "بحر سنورس" في اتجاه الشمال. وأولى تلك السواقي تقع على مقربة من مزرعة مليئة بأشجار المانغو والنخيل. والمشي في تلك البقعة تحديداً أخذ بألباب كثيرين، ومنهم على سبيل المثال الملك سنوسرت الأول الذي توجد مسلة من الغرانيت تحمل اسمه طولها 13 متراً. ومن فرط اعجابه بالفيوم، بنى فيها هرمي "اللاهون" و"الهوارة". وبعد تلك الرحلة القصيرة يمكنك وأنت تسلك طريق العودة اعادة شحن طاقتك بطبق من "الكشري" أو الفول والفلافل من احدى الكافتيريات الكثيرة المنتشرة على جانبي بحر يوسف. ولو فضلت "البروتين الحيواني" فهناك عدد من المطاعم التي تقدم أطباقاً شهية من الكباب والكفتة والدجاج المشوي في وسط المدينة. وأغلب الظن انك مستعد بعد الوجبة الشهية الزهيدة الثمن للاستمتاع بالطبيعة مرة أخرى. وأمامك خياران، أو كلاهما لو كنت مقيماً لأكثر من يوم في المدينة وهما: عين السلين أو بحيرة قارون. وفي السنوات القليلة الماضية، زادت شعبية عين السلين بين المصريين، لا سيما الشباب والشابات الراغبين في قضاء رحلة ليوم واحد في أحضان الطبيعة، وهو ما يفسر الانتشار السريع للكافتيريات والمطاعم في المنطقة لخدمة الزوار. وننصح بتجنب حمام السباحة المزدحم في عين السلين والتوجه الى العيون الموجودة على بعد تسعة كيلومترات شمال المدينة. وفي حال أردت الاستمتاع بالمنطقة لأكثر من يوم، فهناك "فندق عين السلين". الاختيار الثاني هو "بحيرة قارون" التي يمكنك الاستحمام فيها، لكن حذار من الارتفاع الكبير في نسبة الملح فيها. وهنا يقوم أحد أشهر فنادق الفيوم الفاخرة وهو "أوبرج دي لاك فيوم" أو "الأوبرج" كما هو معروف محلياً. وكان هذا الفندق مقر اقامة الملك فاروق في موسم الصيد. وقد شهد كذلك اجتماع قادة دول التحالف بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية. وإذا كان البشر دائماً يتهمون بتدمير البيئة والإخلال بتوازن الطبيعة، فإن العكس تماماً هو ما حدث في وادي ريان، هذا المنخفض الذي يقع خارج الفيوم، والذي أصبح بقعة جمال ومنطقة جذب للحياة البرية والطيور بفعل الانسان. فبعد اتمام بناء السد العالي، وتصريف المياه الزائدة الى المنخفض، تكونت على مدى 30 عاماً ثلاث بحيرات فيه، فانتعشت النباتات وانجذبت اليها مئات الأنواع من الطيور. كما تم تزويد البحيرات بأنواع مختلفة من الأسماك. ويمكنك زيارة قرية تونس المعروفة ببيوتها ذات القباب التي صممها الراحل حسن فتحي. والبحيرات نفسها تقدم للزوار فرصة لا تتكرر للسباحة والاستمتاع بشمس الشتاء مع مراقبة الطيور المهاجرة من افريقيا. وعلى رغم عدم وجود فندق في تلك البقعة الساحرة، إلا أنه بوسعك قضاء ليلة أو ليلتين في معسكر "بارادايز سفاري" المقام هناك. الوصول الى الفيوم من القاهرة هناك باصات من محطتي رمسيس والجيزة تتوجه الى الفيوم كل نحو نصف ساعة، وتستغرق المسافة نحو ساعتين. ويمكن استخدام تاكسي سرفيس من محطة الجيزة لو كنت من اصحاب القلوب المغامرة، اذ يقطع السائق المسافة ذاتها في نحو ساعة. ولو كان عامل الوقت لا يمثل مشكلة لك، هناك القطار من محطتي رمسيس والجيزة، وتستغرق الرحلة بين ساعتين وثلاث ساعات.