تذكر مواجهة الانسان العقلية للكومبيوتر بقصة ذلك الذي اخترع وحشاً. فكبر الوحش وتعملق حتى فاق قدرة مبتكره فذهب ضحية له. ومثله الذي عطف على ذئب صغير فرباه في منزله حتى اذا بلغ الذئب مرحلة الغدر قام "بواجبه" الطبيعي. اتعامل مع جهاز الكومبيوتر ككائن حي، اخشى غضبه كلما دفعني جهلي به الى ارتكاب خطأ، وفي مرات كثيرة استغرق في تقليد العازفين محركاً اصابعي ب"خفة لا تحتمل" بين ازرار لوحة المفاتيح. وقبل ان احفظ نتاج ذلك الذي اراه على وجه لا يراه غيري، يكون الجهاز اعلن عن غضبه وتوقف. وقد يتوالى ظهور المربعات والمستطيلات، وانا لا اجد الا محاولة اغلاق تلك المربعات إن امكن.. وإلا لا بد من زر اعادة التشغيل.. بين جهاز الكومبيوتر و"الجهاز" الذي يسمى انساناً، حكاية تناقض وتشابه ومواقف خادعة. ففي اللحظة التي يقف فيها وجه الانسان في مقابل الشاشة التي تمثل وجه الانسان هناك لحظات غريبة. يقرأ الانسان بوجهه سطح الشاشة، فماذا تفعل الشاشة في المقابل؟ هل ستديم النظر في قسمات ذلك الجالس يفكر ويقرر أي خطوة سيذهب اليها، أم ان الكومبيوتر اكبر من ان يهتم بلحظات لا تعنيه في تقرير النتيجة؟ هناك صراع خفي ومفترض بين اعصاب الانسان التي تكون مشدودة الى التغلب على الكومبيوتر باعتباره داهية تفوق العقل الانساني في سرعة البديهة والذاكرة والتعامل الحيادي من غير محاولة نصب او سرقة او احتيال. وفي ذلك الجهاز مكونات تتحرك. لا ادري كنه تلك الحركة، ولكنني اكاد ادعي ان العقل الذي يحرك حجارة الشطرنج شيطان يسخر من حجم الجالس امامه. "هذا انا يا من صنعتني، اتحداك وأنت الاذكى، وقد اهزمك الا اذا تعمدت عدم ايصالي الى النصر، فأنا لا املك يديك، ولا املك الا ما زرعته فيّ، لكنني سأنقلب عليك عاجلاً او آجلاً". يواجه الانسان نفسه ويواجه "الآخر" شريكه في الانسانية. ويواجه كائنات الطبيعة. وطموحه ان يخترع آلة يتغلب عليها، ليعد ذلك نصراً علمياً. وكأنه، حين يمكن نتاج يديه من التغلب عليه يكون قد حطم مقولات العقل البشري وأوجد التناقض من داخله: لا يمكن ان يتغلب عليه احد الا من صنعه.