كرست القمة الفرنكوفونية توجهها نحو التحول الى اطار سياسي، كتكتل دولي أمس، بارتقاء وسائل مناقشتها للقضايا السياسية الساخنة على الساحة العالمية، الى اعتماد تقليد عقد خلوة لرؤساء الدول الاعضاء في المنظمة، للمرة الأولى، فعقدت هذه الخلوة قبل الظهر في اليوم الثاني لأعمال قمة بيروت في فندق فينيسيا، لمناقشة مشروع اعلان بيروت، والبيان الختامي. وتناولت المناقشات، التي لم يوزع منها رسمياً الا بعض من مداخلتي رئيس القمة الرئيس اللبناني إميل لحود والرئيس الفرنسي جاك شيراك، قضايا الارهاب والوضع في الشرق الأوسط، فيما تجنبت المناقشات الوضع في العراق. وتنتهي اليوم القمة التي لعب وزير الثقافة اللبناني غسان سلامة، كمنسق للجنتها التنظيمية، دوراً شخصياً بارزاً واستثنائياً، أدى الى نجاحها، بجهد دام عدة أشهر. تمحورت النقاشات في الاجتماعات المغلقة للقمة الفرنكوفونية، حول موضوع الارهاب وسبل مكافحته وقدم للموضوع الرئيس الفرنسي جاك شيراك، في حين قدم لموضوع في الشرق الاوسط الرئيس اللبناني اميل لحود، اضافة الى مسألتي الامن والسلام في القارة الافريقية. واختتم المجتمعون بجردة حساب للسياسة الفرنكوفونية. واعتبر شيراك ان الحرب على الارهاب قد لا تكون متسامحة ولكنها يجب ان تنسجم مع الجهود الرامية الى احلال السلام في العالم وفرض احترام القوانين الدولية. وقال: "لا مكان للرحمة والتسامح في الحرب على الارهاب. ولكن يجب الا تخرق حقوق الانسان والقانون". وأضاف شيراك ان "التذرع بالارهاب لانتهاك هذه المبادىء سيصب في مصلحة الذين نحاربهم"، مشدداً على "وجوب تطبيق الدول كافة مقررات الاممالمتحدة واحترام المعاهدات المبرمة التي تحدد اطر هذه الحرب". وتركزت مداخلة شيراك على تحوّل مكافحة الارهاب الى موضوع الساعة بعد احداث 11 ايلول، ووجوب عدم اقتصار مكافحته بطريقة قمعية، بل اهمية التركيز على مكافحة الاسباب المؤدية الى الارهاب. واعتبر شيراك ان الوسيلة الفضلى لمكافحة الارهاب تكمن في ضرورة الاستناد الى قرارات مجلس الأمن والجمعية العمومية للأمم المتحدة، وضمن الاطار العام لاحترام حقوق الانسان والقوانين الدولية. وكرر الرئيس الفرنسي ان مكافحة الارهاب لا بد من ان تتم بطريقة حضارية، وان تساهم فيها العائلة الفرنكوفونية لأن عكس ذلك، يعني الوقوع في الفخّ الذي ينصبه الارهابيون. وعرض الرئيس لحود من جهته ملخصاً لتاريخ الصراع مع اسرائىل، وأكد على ان هذا الصراع ليس ثنائياً على المستوى الفلسطيني - الاسرائىلي فحسب، بل هو صراع عربي - اسرائيلي شامل. ثم أوجز لحود المقاربة اللبنانية والعربية للخروج من هذا الصراع، مركزاً على اهمية تأييد المنظمة الفرنكوفونية للموقفين اللبناني والعربي. وخلص رئيس الجمهورية الى التشديد على ان اي حل يجب ان ينطلق من أحكام الشرعية الدولية والقرارات الصادرة عن الأممالمتحدة اضافة الى مبادئ مؤتمر مدريد، كما ركز على ضرورة التزام مبادرة السلام العربية. وقال الممثل الشخصي للرئيس لحود في المنظمة الفرنكوفونية والناطق الرسمي باسم القمة التاسعة للمنظمة شارل رزق في مؤتمر صحافي عرض فيه ابرز مداولات الجلسة المغلقة، أن انعقاد جلسة سرية في مؤتمر قمة فرنكوفونية هو أمر يجري للمرة الأولى في تاريخ هذه القمم. واوضح انه جرى بناء على اقتراح من الرئيس شيراك، اثناء الفترة التحضيرية لقمة بيروت. وفي حديث عن الوضع في ساحل العاج أكد رزق ان الفرنكوفونية ليست حلبة صراع إنما مكان للحوار، وكل ما يخلق جواً من التشنج أو التصارع لا يبحث في هذا الاطار، فالفرنكوفونية تحاول ان تكون عامل تقارب لوجهات النظر. واعتبر رئيس مدغشقر مارك رافالومانانا في الجلسة الاولى المغلقة "ان بلاده تسهم في حوار الثقافات الذي من دونه لن يحل السلام". وأيد "المفاهيم والمقررات التي ستصدر عن القمة والاستعداد للمساهمة في تطبيقها بالاضافة الى خطة العمل". وطالب رافالومانانا بدعم بلاده لاعادة الاعمار وتعزيز بناء الديموقراطية فيها". ورحب بلجنة مراقبة من المنظمة لمراقبة الانتخابات التشريعية المقبلة. وشددت مداخلة رئيس الاتحاد السويسري على الطابع السياسي للمنظمة الفرنكوفونية عبر تسليط الضوء على دور الأمين العام في تأكيد هذه السياسة، أخذاً بعين الاعتبار ان قمة بيروت شكلت منعطفاً في تاريخ القمم الفرنكوفونية في هذا المضمار. واكدت مداخلة الرئيس الكونغولي حول الوضع في افريقيا، على ضرورة تأمين استقرار هذه القارة عبر معالجة الجذور العميقة لأسباب عدم استقرارها. واستهل رئيس الوزراء الكندي كلامه بتوجيه عميق شكره الى السلطات اللبنانية لحسن تنظيمها وضيافتها. وبعد ان عرض كريتيان لأهم ما جاء في المؤتمرات السابقة للمنظمة الفرنكوفونية اعلن ان احد ابرز الاهداف التي وضعها لنفسه خلال قمة بيروت هو تعزيز التعاون بين "نيباد" ومجموعة الدول الصناعية الثمانية من اجل تطوير افريقيا وتنميتها. وقال كريتيان انه يترتب على الدول الافريقية الفرنكوفونية ان تلتزم بالشروط التي وضعها القادة الافريقيون لنفسهم وتلحظها "نيباد"، وهذا ما سيمكنهم من الاستفادة من المساعدات التي خصصتها مجموعة الثماني لافريقيا. وأكد كريتيان عزم بلاده مساعدة الدول الافريقية الفرنكوفونية في مساعيها. وبعد انتهاء الجلسة المغلقة للقمة التي اقتصرت على رؤساء الوفود وعضو واحد من كل وفد، استكملت الابحاث على غداء أقامه لحود في فندق "فينيسيا" حضره رؤساء الدول والوفود وعضو واحد من كل وفد. وجرت متابعة البحث في المواضيع المطروحة على الجلسة المغلقة. واقترح لحود وجوب اعتماد هذا الاجتماع - الخلوة لبحث الأمور السياسية كتقليد في كل القمم المقبلة الفرنكوفونية بحيث يتاح لقادة الدول الاعضاء التداول في المواضيع المطروحة على الساحتين الدولية والاقليمية. واستؤنفت جلسات القمة بعد الظهر حيث جرى درس تقرير اللجنة الوزارية وتقرير الأمين العام للمنظمة. ورأى ولي العهد المغربي مولاي رشيد في مداخلة له في الجلسة الثانية المغلقة "ان الكلام على حوار الثقافات في هذه الأيام العصيبة ليس بالأمر اليسير والسهل، اذ نعيش لحظات وأحداثاً تدفعنا احياناً الى التشكيك في قدرة البشر على العيش بسلام ومقاومة النزعة الى الحروب والدمار وبتنا نلاحظ ان البغض اسهل من التسامح والدمار اسهل من الإعمار". وقال: "حوار الثقافات طبعاً لكن ثقافة الحوار أولاً، فالجهل والجهالة يولدان الشكوك والمخاوف ولا بد من معرفة الآخر كي لا نخشاه ونعاديه، ومما لا ريب فيه ان جهل الآخر وجهل ثقافته انما هو غذاء تقتات منه الاحكام المسبقة والأوهام المضللة التي تقف حاجزاً امام فهم الآخر واحترامه، ووجودنا اليوم في بيروت أبلغ دليل على ايماننا بأن الحوار هو أنجع دواء لداء الجهل". ونبه الى "ان التنوع الثقافي الذي هو مصدر غنى لا يجب ان يعني في اي حال اي تراتبية بين مختلف الثقافات"، داعياً الى التصدي للتنميط الثقافي ومكافحة الفقر لدرء خطر التطرف والتعصب". وعلى هامش أعمال القمة، التقى لحود في مقر اقامته في "فينيسيا" رئيس جمهورية مالي امادو توماني وجرى البحث في العلاقات الثنائية وأوضاع الجالية اللبنانية في مالي، كما التقى رئيس جمهورية سلوفاكيا رودولف شوستر الذي شكر لحود على الجهد الذي بذله لبنان من أجل انضمام سلوفاكيا الى منظمة الدول الفرنكوفونية.