دُعيت المجموعة الأولى من الضيوف، التي كانت على رأس الحلقة، الى الداخل للجلوس حول مناسف ضخمة من الضأن والرز. ويقتضي الأتكيت ألا يأكل المضيف مع ضيوفه. فهو يطوف حولهم، مرحباً، يشجع الجميع على أكل المزيد، ويقطع بسكين مخيفة أكبر الكتل الرجراجة من اللحم والشحم. الضيوف يتخذون وضع الهجوم، مشمّرين عن الساعد الأيمن مع إسناد الرسغ بارتخاء الى الركبة اليمنى، بينما تتدلى اليد من على الركبة .... وتمتد الأيدي - في البداية بقدر من الوجل كرجل بدأ يداعب بلوزة امرأة متظاهراً بالعبث على رسله بقلادتها ثم تنزلق يده تحت محزمها ويأخذ في تمسيد عمودها الفقري صاعداً نازلاً لحبس درجة التجاوب أو الممانعة التي يمكن أن يتوقعها -. أولاً تغترف الأيدي من الرز ما يُحدث تجويفاً على حافة الطبق يحدد دائرة نفوذها، كالحفر التي يصنعها المستجمون على رمال الشاطئ. يُملأ التجويف باللبن الرائب وحساء الخضار من السلطانيات الموضوعة حول الطبق على الأرض. الرجال يغمسون أصابعهم بعناية في الرز الساخن مطعماً باللوز والزبيب، ثم ينقضّون بكامل اليد. ومع المرق في التجويف يعجنون الرز، مستخدمين الإبهام، في كلة يرمونها بحركة سريعة من الرسغ الى مؤخرة الحلق ويبتلعون اللقمة دفعة واحدة. في غضون ذلك، تراقب السواعد الستة أو السبعة حول المنسف بعضها بعضاً عن كثب. وكما في لعبة الاسراع ثم التمهل، يتمثل فن هذه اللعبة في الحفاظ على التوازن بالتمهل في الموقع حتى يعيل صبر أحد فينقضّ الى الأمام بأقصى سرعة ثم يلحقه الباقون. ومع صمت المضغ ومصمصة الشفاه تتحسس الأنامل قطع اللحم، تسحب رقائق من الجلد وتداعب الشحم في الحواف. الحاضرون ينقضّون بقوة أشد على الخروف الذي يجثم مترجرجاً على قمة جبل الرز - وأخيراً تكون الأيدي طليقة في هجماتها -. مفاصل كاملة تتكسر. يدان يُمنيان تساعدان احداهما الأخرى لتمزيق اللحم اليد اليسرى استخدامها محرَّم في الأكل. تُقطع الذبيحة بسكين جزار وتختفي أذرع الى ما فوق الكوع عميقاً في جوف البطن والأحشاء ثم تعود ظافرة بكبد وكلى في قبضتها.... مقاطع من كتاب مارسيل كوربرشوك "البدوي الأخير". ترجمة عبدالإله النعيمي، دار الساقي.