أورد الكاتب الفلسطيني سليمان الشيخ في مقالته الحياة 4/10/2002 بعنوان "انقاذ البحر الميت من الموت على حساب الفلسطينيين" مراجعة دقيقة للمشروع الاسرائيلي البديل الثالث الذي استهدف ربط البحر الميت بالبحر الأبيض المتوسط، وكان البديل الأول ولم يتطرق اليه الكاتب قناة تبدأ عند حيفا وتنتهي عند بيسان، ثم يصار الى اطلاق المياه العادمة من محطة تحلية هناك الى نهر الأردن فالبحر الميت، وكان البديل الثاني قناة تبدأ عند عسقلان وتشق شمال النقب وجبال الخليل وتطلق مياهها الى البحر الميت. واصطلح على تسمية البديل الأول "مشروع غور" نسبة الى المهندس الاسرائيلي الذي أحياه، وهو مشروع درسه مهندسون بريطانيون في الخمسينات من القرن التاسع عشر، واصطفاه ثيودور هيرتزل في السبعينات من القرن نفسه، وأوصى به المهندس ابراهام بوركارت مبعوث المؤتمر الصهيوني الأول الى اسرائيل عام 1899، وتطرق اليه بتوصياته المهندس اليهودي الأميركي والتر كلاي لودرملك عام 1944 الذي وظفته الوكالة اليهودية لدراسة مياه فلسطين وانتهى به المطاف استاذاً لعلم التربة في معهد التخنيون الاسرائيلي في حيفا. ولم يتطرق الكاتب المحترم الى مشروع ربط البحر الميت بالبحر الأحمر بالتفصيل الذي أعطاه للمشروع الاسرائيلي سوى ما كتبه المهندس الاسرائيلي اليشع كالي في كتابه "المياه والسلام"، وما نشرته بعض المصادر الاسرائيلية التي زعمت ان ثلث طول المسار الناقل لمياه البحر الأحمر سيكون داخل اسرائيل كما أوردته مقالة الكاتب. ويتساءل الكاتب عما إذا كان الفلسطينيون سيستفيدون من هذا المشروع، وقال انه تفادى المرور بأراضي السلطة الوطنية الفلسطينية. ولا تخفى لهجة العتاب ان لم نقل الغمز من الموقف الأردني حيال المشروع. وللحقيقة أقول من موقع العارف بدقائق المشروع وتطوره ان مشروع ربط البحر الميت بالبحر الأحمر جاء رداً أردنياً على "مشروع غور" الاسرائيلي الذي كانت تروج له اسرائيل في السبعينات من القرن الماضي، وكنت في موقع المسؤولية نائباً لرئيس سلطة وادي الأردن والى جانبه ونحن نتابع نشاط اسرائيل وترويجها لذلك المشروع البديل الأول أعلاه، وأيقن كلانا ان الاعتراض السلبي على مشروع اسرائيل لن يجدي نفعاً بل علينا التفكير بمشروع مضاد تكون الفوائد فيه للجانب العربي، وحيث انه لا بد من الحفاظ على منسوب سطح البحر الميت فلا مناص من نقل المياه اليه من البحار المفتوحة، ولم يكن بد من التفكير بربطه بالبحر الأحمر بدل البحر المتوسط. وقمنا بالعمل على درس المشروع وانتهت الدراسة عام 1981. واتخذناها وسيلة للاعتراض على المشروع الاسرائيلي لدى حديثنا مع بعثة أرسلتها الأممالمتحدة للنظر في الأمر عام 1984. وكان لي شرف وضع المقترح الأردني لمشروع تطوير اخدود وادي الأردن والدفاع عنه بضراوة من ضمنه ربط البحر الميت بالبحر الأحمر، وتقديمه الى اللجنة الاقتصادية الثلاثية الأردن واسرائيل والولايات المتحدة في شباط فبراير عام 1994 وهي اللجنة التي تشكلت في أعقاب اتفاق أوسلو، ونال المشروع اجماع اللجنة ضمن المادة 28 من معاهدة السلام، وقدم الى القمة الاقتصادية الأولى للشرق الأوسط وشمال أفريقيا في الدار البيضاء في آخر تشرين الأول أكتوبر عام 1994. وبدأت دراسات ما قبل الجدوى الاقتصادية لذلك المشروع الكبير عام 1995 وانتهت عام 1997 وبدأ البحث عن تمويل للدراسات التفصيلية ذلك العام ثم توقفت تلك الجهود لدى تعثر عملية السلام في المنطقة. وكانت كل هذه النشاطات علنية تنشر في الصحف المحلية والعالمية. وللفلسطينيين حقوق في الانتفاع من المشروع بل أيضاً في اقرار تنفيذه، فهم في نظر الأردن طرف ثالث يقع ضمن حدوده ربع مساحة البحر الميت وليس الشواطئ فقط كما ذكر الكاتب، وكانت العقبة الكأداء أمام ادخالهم طرفاً في الموضوع منذ البداية القول بأن موضوع السيادة داخل الحدود الفلسطينية وكذلك تحديد خطوط تلك الحدود أمر ينتظر المفاوضات النهائية بين اسرائيل والفلسطينيين وان ادخالهم طرفاً ذا سيادة فيه اخلال بذلك التفاوض. وراعى الاردن في محادثاته حول المشروع حقوق الطرف الفلسطيني المغيب، وما زال يراعيها ويدعمها، والرسميون في السلطة الوطنية الفلسطينية على علم بذلك. والقول ان ثلث مسار المياه يقع داخل اسرائيل خاطئ بل مغرض، فكامل مسار القناة والأنابيب والانفاق يقع في الأراضي الأردنية، كما أعجب من القول ان مسار المشروع تحاشى الدخول في أراضي السلطة الفلسطينية، فمسار المشروع يقع بكامله في الجانب الأردني من وادي عربة ولا تجاوره أي أراض تابعة للسلطة الوطنية الفلسطينية ولا هو بقريب منها. والهدف الرئيس من رفع منسوب البحر الميت هو وقف النزيف الحاد في خزانات المياه الجوفية في الأردن التي تنساب مياهها الآن الى البحر الميت جراء انخفاض منسوب مياهه، وهذه الفائدة الأكثر أهمية تضاف الى فوائد استيلاد الكهرباء وتحلية مياه القناة وفوائد أخرى في وادي عربة. وأعجب من القائلين ان المشروع ينافس قناة السويس، إذ هو ليس بالقناة الملاحية ولم يكن كذلك مطلقاً. وأريد أن أطمئن الكاتب السيد الشيخ ان المشروع لن يغمر من الأراضي الفلسطينية أكثر مما كان مغموراً في السابق قبل بدء انحسار البحر، بل ان المنسوب الذي ينوي المشروع المحافظة عليه هو 396 متراً تحت سطح البحر، وهو أقل بأربعة أمتار من المنسوب التاريخي للبحر الميت" وطوبى للأردن الذي تكال اليه التهم وهو منها بريء. * وزير المياه والري الأردني السابق.