يجتهد خبراء أردنيون في البحث عن حلول طويلة الأمد لمشكلة نقص المياه في البلاد، خصوصاً أن المملكة لا تزال تحجز مكانها ضمن قائمة «الدول العشر الأشد فقراً في المياه دولياً» وفق تصنيفات مراجع أممية. وإذا كانت «قناة البحرين» من البدائل المتوافرة، فإن حجم مشروع الربط المائي بين البحر الأحمر، أقصى جنوب البلاد، بالبحر الميت (30) كلم عن العاصمة الأردنية، يكشف جانباً من عدم توافر البدائل السريعة بعد استنزاف جميع الخيارات التقليدية في التزود المائي، وبعد استنفاد خيار جر مياه حوض الديسي جنوب البلاد على الحدود الأردنية السعودية وفق الخبير المائي الدكتور دريد محاسنة. وأعلنت وزارة المياه والري الأردنية قبل أيام أن «أعمال تنفيذ المرحلة الأولى من مشروع ناقل البحرين ستبدأ في الربع الأول من عام (2018) والانتهاء منه في الربع الأخير من العام (2020)، مشيرة في بيان الى «انتهاء إجراءات التأهيل المسبق لائتلاف الشركات المهتمة في تنفيذ وتمويل مشروع ناقل البحرين». وأوضحت أن المرحلة الأولى من المشروع ستتم وفق نظام «البناء والتشغيل ونقل الملكية ولمدة 25 عاماً» مشيرة الى أن «كلفة المشروع الإجمالية (...) تبلغ حوالى 1,1 بليون دولار». وعلى مثلث مصالح مشتركة يقف مشروع «قناة البحرين» وفق خبراء، فهو بالإضافة لتلبيته الحاجات المائية لمحافظات وقرى من المملكة، فإن له أهدافاً بيئية تتحقق برفع منسوب البحر الميت (أخفض منطقة في العالم) بعد جر مياه البحر الأحمر عبر قناة يمتد طولها لأكثر من 300 كلم، وتحليتها، واستخدام نفايات المياه المالحة بإلقائها في البحر الميت، في حين أن الطاقة الكهربائية المستخدمة لتحلية المياه، ستتحقق بفعل انحدار المياه من منطقة مرتفعة إلى منطقة منخفضة. ووفق الخبير محاسنة، فإن مثلث المصالح يتحقق من خلال مثلث العوامل التي تسمح بفرصة الربط المائي بين البحرين، فالعامل السياسي يتحقق نتيجة العلاقات المنفتحة مع دول الجوار والدول المشاطئة للبحر الميت، ويقصد إسرائيل، والعامل الجغرافي يتحقق بفعل طبيعة المنطقة أي انحدار منسوب المياه بين البحرين، والعامل التقني بعد توافر فرص دعم وتمويل المشروع. وأمام الفرص الفنية لتعويض نقص المملكة من المياه وتلبية الاحتياجات المائية المتزايدة، فإن أصواتاً منددة بالمشروع تتخذ منه موقفاً سياسياً، وتتهم المملكة بأنها «تريد تنفيذ المشروع لمصلحة إسرائيل»، وفق الخبير الدكتور سفيان التل الذي يتصدر واجهة معارضة المشروع. ويقول التل ل «الحياة» أن الاتفاقية الموقعة بين الجانبين الأردني والإسرائيلي تشير بوضوح إلى أن «إسرائيل ستأخذ كامل المياه المحلاة، في حين أنها ستترك النفايات من المياه المالحة لمصلحة استخدامات الأردن في رفع منسوب البحر الميت، مع إسقاط ذكر الحقوق المائية للجانب الفلسطيني». لكن الناطق الإعلامي باسم وزارة المياه والري الأردنية عمر سلامة يفند الأمر بأن المشروع الذي سيقام على الأرض الأردنية وبإدارة أردنية سيصب في مصلحة تلبية الحاجات المائية المتزايدة للمملكة، وأنه سيحقق توفيراً في طاقة توزيع المياه، من خلال بيع المياه المحلاة لإسرائيل من محطة تحلية جنوب المملكة، في حين أن بحيرة طبريا وحصة المملكة منها بموجب اتفاق السلام الأردني الإسرائيلي الموقع، ستكون لمصلحة مناطق شمال المملكة، ما يعني توفيراً في طاقة الكهرباء المستخدمة في ضخ المياه لمصلحة محافظات الشمال من محطة الجنوب. على أن كل الوسائل المتاحة لتلبية احتياجات المملكة من المياه «لا تلبي حاجة أكثر من 2 مليون نسمة، في بلد يعيش على أرضه نحو 11 مليون نسمة»، وفق محاسنة، الذي وصف المشروع بأنه «حل موقت وليس حلاً جذرياً، إلا إذا رافقته سياسات وقف هدر المياه واستخداماتها الجائرة في البلاد». وكان (أ ف ب) وزير المياه والري الأردني حازم الناصر أكد في 21 حزيران (يونيو) الماضي «الأهمية الكبيرة التي سيجنيها الأردن من هذا المشروع الحيوي، بخاصة في ما يتعلق بتوفير 85 مليون متر مكعب خلال المرحلة الأولى والحفاظ على بيئة البحر الميت وتزويده بكمية تصل الى 200 مليون متر مكعب سنوياً». ووقع الأردن واسرائيل في 26 شباط (فبراير) من العام الماضي اتفاقاً لتنفيذ المرحلة الأولى من المشروع، بعدما وقع ممثلون عن الأردن واسرائيل والسلطة الفلسطينية في 10 كانون الأول (ديسمبر) 2013 في واشنطن اتفاقاً لتحسين تقاسم الموارد المائية، بعد 11 عاماً من المفاوضات. وينص الاتفاق على إقامة نظام للضخ في خليج العقبة في أقصى شمال البحر الأحمر لجمع حوالى مئتي مليون متر مكعب من المياه سنوياً ونقلها الى البحر الميت، وتحلية أجزاء أخرى من مياه البحر الاحمر وتوزيعها على الأطراف الثلاثة. وهدفت المفاوضات بين الأطراف الثلاثة أيضاً الى إيجاد سبل لتأخير جفاف المياه في البحر الميت المغلق الذي ترتفع فيه نسبة الملوحة. ووفق دراسة للبنك الدولي بمشاركة الأطراف الثلاثة، فإن كلفة المشروع الكلية ستقارب 11 بليون دولار.