في مناسبة حلول السنة الجديدة استقبل الرئيس الفرنسي جاك شيراك كعادته رئيس حكومته ليونيل جوسبان والوزراء الخميس الماضي لتبادل التهاني والتمنيات. وبما ان هذا الاستقبال هو الأخير الذي يتم في ولاية شيراك التي توشك على نهايتها، كان لا بد له من التطرق الى انتخابات الرئاسة المقدرة في 21 نيسان ابريل المقبل، فعبّر الرئيس الفرنسي عن أمله في إبعاد الحملة الانتخابية "عن المواجهات العقيمة بين الأشخاص" واعطاء الأولوية للافكار والبرامج، والاستناد الى "النقاش الديموقراطي المكثف" وعبّر جوسبان من جهته عن أمله في أن يندرج الجدل في اطار الحملة الانتخابية تحت شعار "المسؤولية والوضوح". ومع ان شيراك وجوسبان لم يعلنا بعد ترشيحيهما تاركين لنفسيهما حرية اختيار التوقيت الأنسب، إلا أنه في حكم المؤكد ان المعركة المقبلة ستدور بين الرئيس الديغولي ورئيس حكومته الاشتراكي اللذين يتعايشان معاً منذ عام 1997. وعلى خلاف التمنيات التي أبداها الرجلان، فإن المعركة التي تسبق الانتخابات ربما لن تكون على القدر الذي أشارا اليه من الديموقراطية والوضوح والمسؤولية. بل من المرجح أن تطغى على الحملة الضربات والضربات المضادة الشخصية، وتبادل الأحكام الأخلاقية على حساب التنافس السياسي. ومن مؤشرات ذلك القضية التي أثيرت حول وزير الداخلية السابق شارل باسكوا، أحد الرموز السابق في حزب "التجمع من أجل الجمهورية" الديغولي الذي يتزعمه شيراك والتفاعلات التي أعقبتها. وليس بريئاً تماماً أن يكشف في هذا الوقت بالذات عن تورط مساعدة باسكوا السابقة ماري - دانيال فور وزوجة مستشاره السابق جان شارل ماركياني، في اختلاس جزء من فدية ذكر أنها دفعت عام 1988 لخاطفي الرهائن الفرنسيين في لنبان. وجاءت القضية عقب قرار أصدرته في 10 تشرين الأول اكتوبر الماضي محكمة التمييز الفرنسية أقرت فيه نهائياً أن شيراك يتمتع بحكم موقعه الرئاسي بحصانة تحول دون ملاحقته قضائياً، وقلبت بالتالي صفحة القضايا المتتالية التي استهدفته في العامين الماضيين تارة لتشجيعه نظام التمويل السري لحزبه وأخرى لتسديده نقداً تكاليف الرحلات التي يقوم بها. وعلى رغم ان قضية اختلاس الفدية المفترضة يلحق ضرراً مباشراً بباسكوا الذي انشق من الحزب الديغولي ليؤسس حزبه الخاص "التجمع من أجل فرنسا"، إلا أنها تصيب شيراك في شكل أو بآخر. إذ ان باسكوا تفاوض من أجل اطلاق الفرنسيين في لبنان، عندما كان وزيراً في حكومة يرأسها شيراك. واذا كان هناك من فدية دفعت لإطلاقهم فإن ذلك تم حماً بعلم رئيس الحكومة، ما يعني ان تصريحاته المتكررة في حينه بأن باريس ترفض تسديد أي فدية لخاطفي رعاياها كانت كاذبة. ويترتب على ذلك بالضرورة ان ما يعلق في ذهن الناخب الفرنسي العادي هو ان باسكوا مختلس وشيراك كاذب. وهذا ما جعل الوزير السابق المعروف بكلامه الفج يصرح بأن في الأمر "مناورة مشبوهة" دبرتها "خلية سوداء" تعمل في ماتينيون مقر رئاسة الحكومة الفرنسية بالتواطؤ مع الاستخبارات الداخلية دي اس ثي. وفيما تستمر تفاعلات هذه القضية في الوسط السياسي الفرنسي، يبدو مبرراً ان يتم الرد عليها بقضية مشابهة تستهدف جوسبان أو الأوساط المقربة منه، على رغم سأم الفرنسيين من هذا الواقع الذي غابت عنه السياسة وبات أشبه بعملية نشر للغسيل الوسخ. ويعتقد محللون في فرنسا انه على رغم كون الحياة السياسية قائمة على التجاذب الدائم بين اليمين واليسار، فإن اليمين لم يعد يعتمد سياسة يمينية ولا اليسار سياسة يسارية، وضاقت الهوة بينهما الى حد جعل كلاً منهما يلجأ الى الضرب تحت الحزام واثارة ما هو سلبي ومهين لدى الطرف الآخر أملاً بتنفير الناخبين منه.