جاءت نتائج الانتخابات البلدية الفرنسية يوم الأحد الماضي بمثابة زوبعة سياسية، إذ قلبت خريطة البلديات وترافقت بخسارة كبيرة للحزب الاشتراكي الذي يقوده رئيس الحكومة ليونيل جوسبان وخسارة كبيرة أيضاً للحزب الديغولي "التجمع من أجل الجمهورية"، وهو حزب الرئيس جاك شيراك، الذي خسر بلدية باريس التي سيطر عليها المرشح الاشتراكي برتران دولانويه صديق رئيس الحكومة، كما خسر مدينة ليون التي انتقلت رئاسة بلديتها إلى جيرار كولومب، وهو أول اشتراكي يتولى بلدية هذه المدينة المحافظة منذ العام 1957. وأظهرت الانتخابات ضربة لنفوذ الرئيس الديغولي الذي هيمن شخصياً هو وحزبه على بلدية باريس طوال 24 عاماً. وكانت بلدية العاصمة شكلت في السابق نقطة انطلاق شيراك نحو الرئاسة الفرنسية، إذ كان يتولى رئاستها عندما انتخب رئيساً لفرنسا عام 1995. لم يستطع شيراك اقناع صديقه رئيس البلدية جان تيبيري الذي خلفه في المنصب، بالانسحاب من المعركة الانتخابية لمصلحة مرشح الحزب الديغولي فيليب سيغان الوزير السابق الرئيس السابق للجمعية الوطنية الفرنسية البرلمان، فكانت خسارة باريس التي شكلت ضربة لهيبة شيراك، بمقدار ما شكلت مع خسارة ليون ضربة أساسية لليمين الفرنسي، الذي لم يتمكن من توحيد صفوفه فسار إلى خسارة معلنة سلفاً. حاول شيراك انقاذ ليون بدفع وزير الدفاع السابق شارل ميون الذي ترشح عن حزب "الاتحاد من أجل الديموقراطية" اليميني والمرشح الديغولي جان ميشل دوبرنار، إلى توحيد صفوفهما، لكن هذا الاتحاد لم يقنع الناخبين لأنه جاء في اللحظة الأخيرة ولم يعد نافعاً. خسر شيراك باريس وليون، لكن جوسبان خسر فرنسا، لأن اليمين سيطر اجمالاً في غالبية المدن وتمكن من الحفاظ على تولوز، كما انتزع ستراسبورغ من اليسار، وألحق هزيمة بوزيرة الثقافة السابقة الاشتراكية كاترين تروتمان. كما أن عدداً من المدن المتوسطة الحجم، التي كان اليسار يسيطر عليها تقليدياً، انتقلت إلى اليمين، مثل روان واورليان وكمبير وليزيو وشارتر وبلوا التي كان يترأس بلديتها وزير التربية جاك لانغ. وستغير نتائج الانتخابات توجه الأحزاب السياسية الأساسية في تحضيراتها لانتخابات الرئاسة السنة المقبلة، لأن نتائج البلديات لم تحسم أي اتجاه. فقال الأمين العام للحزب الاشتراكي فرانسوا هولاند إن الوضع مفتوح على كل الاحتمالات لسنة 2002. فلا شيراك متأكد من خسارة الرئاسة ولا جوسبان متأكد من نجاحه فيها. وأظهرت النتائج ان ناخبي المدينتين الكبريين، باريس وليون، ارادوا معاقبة سياسيي اليمين الذين لم ينجحوا في ضبط انقساماتهم. إذ لم يحظ تيبيري بأي شعبية في اليمين، وتأخر شيراك في التخلي عنه، ولم يكن سيغان يحظى فعلاً بثقة الرئيس الفرنسي الذي يتخوف من مزاجه المتقلب والعصبي، وشكك باستمرار في احتمال نجاح سيغان في باريس، على رغم أنه قرر أخيراً دعمه. أما انتصار اليمين في بقية فرنسا فهو ضربة لجوسبان ولإدارته لشؤون البلاد. إذ خسر عدد من الوزراء في حكومته بلديات لم تكن خسارتها متوقعة. وبذلك انتقلت أصوات من اليسار إلى اليمين، الذي استفاد أيضاً من انحسار اليمين المتطرف بعدما كان الأخير لعب دوراً في خسارة اليمين للانتخابات التشريعية عام 1997. خلافاً لاستطلاعات الرأي التي تركز على نجاح حكومة جوسبان، فإن النتائج لم تترجم هذا النجاح، فقد يكون جوسبان مرتاحاً لكسب باريس وليون، لكنه الآن زعيم لفريق مغلوب، ولم تعد غالبيته "المتعددة" مبنية على الواقع، خصوصاً أن تحالفه مع الحزب الشيوعي تزعزع كلياً مع الفشل الواضح للأخير في معظم المدن التي كان يسيطر عليها. وترافق هذا مع انتصار لحزب أنصار البيئة "الخضر" الذين سيسعون إلى زيادة عدد وزرائهم في الحكومة وزيادة مكاسبهم، إذ ينبغي الآن أن يعدل جوسبان فريقه وبرنامجه.