حقيقةً أنا سعيد، سعادتي لا يمكن وصفها. كل ما تمنيته وتوقعته حصل. فأمنياتي وآرائي شاذة الى درجة الخوف. فأنا كنت، منذ البداية ونشوء "القاعدة" تفجيرات شرق أفريقيا أكره بن لادن الى درجة القرف. ولم تنتابني نوبة كرهه فجأة أو حين حصلت تفجيرات أيلول سبتمبر الأسود. كنت أمقت طالبان، ونوبة مقتها لم تنتابني حين هدموا تماثيل بوذا. أكره المتعصبين... الخ هذه الأسطوانة الثقيلة، رأيي هذا لم يعلم به أحد، ولم أقله لأحد، لأنني أقرأ ولكن لا أتجرأ على الكلام، وأخاف ان يأكلوني: خائن، كافر، ملحد... في الجامعة أومئ برأسي على كل شيء يتحدثون فيه على قلة حديثهم في السياسة. في البيت، أبي مسافر، أخوتي أصغر مني، أقربائي كلهم غير متعلمين ويعملون ليل نهار في ظروف قاهرة، وأعرف انهم يؤيدون بن لادن من دون تردد. ولكن هذا اليوم نفد صبري. فقد ركبت التاكسي ذاهباً الى الجامعة وأوقفته على الطريق لأشتري "الحياة" و"الوسط". وعندما صعدت بعد الشراء سألني السائق: "ماذا حل بأفغانستان؟" قلت له بعد ان تنهدت: الحمدلله، اليوم صباحاً اتفقت الفصائل الأفغانية ورصفوا حميد قرضاي كرزاي رئيساً للحكومة"، وتحدثت له بالتفاصيل، وبعد ذاك سألني: "وطالبان؟"، فقلت له: "الحمدلله عليهما السلام، راحت الله لا يردها، لا هي ولا أسامة بن لادن، بقيت مدينة واحدة". قال لي: "لا" أنت لا تعرف طالبان، تعمل فخاً لأميركا في قندهار... جبال وعرة يا أخي!"، قلت له: "قالوا ان أفغانستان كلها فخها، وما طلع معهم شيء". فسألني بتهكم: "هل تقرب حميد قرضاي أو شاه مسعود أو رباني" هل تعرف أحداً من أميركا؟"، قلت: لا، قال: "أنت مسيحي". قلت: لا. قال: "لماذا تتكلم بهذه الطريقة؟"، قلت: "هذا رأيي، وأنا أكره بن لادن وطالبان، والساعة التي انخلقوا فيها على وجه الأرض وأنا أتمنى أن نرتاح منهم ومن شرورهم، ومن أول الحرب الى الآن أدعو من أجل ان تنتصر أميركا..."، قال: "الله يهديك". بعد هذا الحديث ذهبت الى احدى تلك المناطق المنكوبة بحلب، ورأيت أناساً يعملون كالبهائم. فكرت: ما الذي يمنع هؤلاء من التعلق ببن لادن؟ فأنا مرفه: أشاهد التلفاز، أقرأ الجرائد، أتعلم، أذهب الى الجامعة، أتوضأ بالماء الساخن، ماذا ينقصني لأعمل عقلي وأكره بن لادن وأدعو لأميركا! نحن اخترنا ان نكون أقلية صامتة، تكتب الانترنت، تشاهد الأفلام، غارقة في الحداثة، هذا رأيي، ولن أتخلى عنه. ولكن، أخيراً، أين هذه الثورة التي ستنفجر في الشارع العربي حين تنتهي طالبان وتندحر من كابول؟ حلب - محمود مصطفى درويش طالب كلية الآداب والعلوم الإنسانية - قسم اللغة العربية - سنة أولى ن