على رغم أن للولايات المتحدة حسابات مؤجلة مع العراق والصومال رأت إفتتاحية "واشنطن بوست" 20/12/2001 أن الخطوة المقبلة في الحرب على الإرهاب يجب أن تكون في باكستان لمواجهة جماعات الإرهاب التي تتهمها الهند بالاعتداء على برلمانها. وكتبت الصحيفة ذات الهوى الإسرائيلي أن "الهند مارست ضبط النفس بدرجة تدعو الى لإعجاب، وينبغي ألا يُحظر عليها ممارسة حق الدفاع عن النفس كما تمارسه أميركا وإسرائيل"، في إشارة الى الضوء الأخضر الذي منحته الإدارة الأميركية لآرييل شارون لتدمير المجتمع الفلسطيني. وليس مصادفة أن تقرن الصحيفة الهند بأميركا وإسرائيل. فالهند وإسرائيل حليفان استراتيجيان للولايات المتحدة، والثلاثي تحكمه أحزاب عقائدية أصولية. وطبقاً ل"واشنطن بوست" 24/12/2001، "جاءت استقالة بات روبرتسون كرئيس التحالف المسيحي لتؤكد صعود زعيم جديد لليمين المسيحي الأميركي، هو جورج بوش". وإذا كان وزير الداخلية الهندي ل. ك.أدفاني، تواطأ مع الغوغاء الهندوس المتطرفين قبل تسعة اعوام لتدمير مسجد بابري الأثري في أيوديا في الهند، فإن في حكومة شارون من لهم علاقات وثيقة بالجماعات اليهودية التي تخطط لتدمير المسجد الأقصى. وينتهك البلدان القوانين الدولية ومواثيق حقوق الانسان في معاملتهما لشعبي كشمير وفلسطين الواقعين تحت الاحتلال، وهما ترفضان تنفيذ قرارات مجلس الأمن في هذا الصدد. إذ ينص قرار مجلس الأمن في نيسان إبريل 1948 على حق شعب كشمير في تقرير مصيره عبر استفتاء. وترفض الهند إجراء هذا الاستفتاء مدعومة بصمت غربي مريب. وإضافة إلى المحادثات الأمنية التي تعقد كل ستة اشهر بين الهند وإسرائيل "الديموقراطيتين الوحيدتين في محيط من الديكتاتوريات المسلمة المساندة للإرهاب"، لم يتوقف تبادل الوفود الرسمية بين البلدين منذ شهور: ففي مطلع تشرين الثاني نوفمبر أجرى وفد إسرائيلي عسكري حواراً استراتيجياً في نيودلهي، وفي نهاية الشهر نفسه وللمرة الأولى منذ إقامة العلاقات الديبلوماسية بعد مؤتمر مدريد، زار وفد برلماني إسرائيلي البرلمان الهندي قبل الهجوم عليه بأسبوعين، ويزور وفد هندي الشهر الجاري إسرائيل للبحث في "الحرب ضد الإرهاب"، كما تجرى استعدادات لترتيب زيارتيّ شارون للهند والرئيس الهندي لإسرائيل. وتحت ذريعة "الحرب ضد الإرهاب" بعد احداث 11 أيلول سبتمبر مورست البلطجة ضد العرب والمسلمين عموماً، فإسرائيل تذرعت بعمليات حماس والهند بالهجوم على برلمان "أكبر ديموقراطية" في العالم. هذا الهجوم تتشابه ملابساته بدرجة كبيرة مع الهجوم على مركز التجارة العالمي. ما سهل مهمة التحريض على المسلمين. في الواقعتين لقى كل المهاجمين حتفهم، فأصبح مستحيلاً التوصل الى الحقائق والتعرف على هوية العقول التي دبرت العمليتين. أنكرت الجماعتان الكشميريتان أي صلة لهما بالهجوم على البرلمان الهندي. واتهمت باكستان مجموعة من الجيش الهندي بارتكاب الاعتداء بغرض إلصاق التهمة بباكستان، ورفضت مزاعم الهند عن ان المهاجمين يحملون الجنسية الباكستانية ورفضت استلام جثثهم. دانت باكستان الاعتداء على البرلمان الهندي، وطالبت نيودلهي بتقديم أدلة عن تورط الجماعتين المتهمتين، فرفضت. واقترحت المشاركة في التحقيق مع السلطات الهندية، فرفض اقتراحها، ورد طلب إسلام أباد بلجنة تحقيق محايدة. وعلى رغم كل ذلك، انحازت إدارة بوش إلى جانب الهند، وحذرت باكستان من أن مساندة الجماعات الكشميرية تساوي تأييد الإرهاب. واتخذ الأميركيون هذه الإجراءات من دون أدلة تدعم إتهامات الهند، وقال الناطق باسم الخارجية الأميركية: "من المحتمل أن تكون الجماعتان متورطتان في هجوم 13 كانون الأول ديسمبر ولكن ليس لدينا أدلة جازمة". ويذكر أن جماعة العسكر الطيبة من أكبر المنظمات الناشطة في كشمير وهي، مثل حماس في فلسطين، تدير عدداً كبيراً من المشاريع الخيرية التي تخدم المجتمع الكشميري مئة مدرسة وجامعة وعدد من المستشفيات. يشكو الباكستانيون من "الخيانة" الأميركية، ويقف مشرف اليوم في مواجهة مأزق عرفات نفسه : ضرب مقاومة الاحتلال تمهيداً للتسليم بشرعيته. والسؤال هل كان وقوع الهجوم على البرلمان الهندي بعد أيام قليلة من حصول شارون على الضوء الأخضر الأميركي وإعلان عرفات حال الطوارئ، مجرد مصادفة؟ فالأمر لم يكن "خيانة" أميركية بقدر ما كان فخاً محكماً وسذاجة باكستانية. فلم يكن من الحصافة تصور أن واشنطن يمكن أن تلتزم الحياد في أي صراع بين باكستانوالهند، إذ أن تفاصيل العلاقة الاستراتيجية بين الهند وأميركا وإسرائيل كانت معلومة، كذلك التعاون النووي مع الكيان الصهيوني. تناسى الباكستانيون أيضاً خيانة أميركا للعرب أثناء الوجود السوفياتي في أفغانستان، وكيف أنها فور انسحاب السوفيات تجاهلتهم وفرضت سلسلة عقوبات ووثقت علاقتها بالهند. ولذلك فور هجوم 13 كانون الأول ديسمبر، عمدت الهند فوراً إلى الطرق على الحديد، وكتب جون بيرنز مراسل النيويورك تايمز 24/12 يقول: "كان هدفاً استراتيجياً للهنود منذ 11/9 إقناع بوش بالضغط على برويز مشرف لحل الجماعتين الكشميريتين المسؤولتين عن 70 في المئة من الأعمال العسكرية في كشمير. لقد احتفى الهنود بحرب بوش على الإرهاب باعتبارها فرصة نادرة لتحقيق ما عجزوا عن تحقيقه في كشمير". شجع الانحياز الأميركي المسؤولين الهنود على صوغ مطالبهم في صورة إملاءات مهينة لباكستان ورئيسها. وتعلمت الهند من إسرائيل أن التصعيد المتدرج للتهديدات اللفظية والديبلوماسية والعسكرية هو أكفأ وسائل الحرب النفسية، وأن إنهاك معنوياتهم أمر يسهل تحقيقه كلما دفع خصومهم الأوضاع اقتراباً من حافة الهاوية. فعلى سبيل المثال اتسم خطاب آتال فاجبايي أمام شباب الحزب القومي الهندوسي بالتشدد، بينما جاء خطاب مشرف في كراتشي في اليوم نفسه مرناً إزاء الهند وعنيفاً إزاء الجماعات الإسلامية. وعلق جون بيرنز 26/12 على التباين الواضح بين النبرتين بقوله: "بينما هدد فاجبايي بالحرب، لمح مشرف إلى مرونة وأمل بجهد ديبلوماسي أميركي". إن هذا النهج الباكستاني في التعامل مع البلطجة الهندية هو وصفة مؤكدة لخسائر فادحة مقبلة لأن مواجهة البلطجة بإظهار الضعف لا يستدعي سوى المزيد من المشكلات. والسؤال هل الهدف من دفع مشرف إلى تصفية قضية كشمير هو تقوية فرص الانقلاب على حكمه حتى يكون هذا الانقلاب ذريعة لتدخل أميركي إسرائيلي للسيطرة على المواقع النووية الحساسة في باكستان ؟ * كاتب مصري