شُيّع الوزير والنائب اللبناني السابق ايلي حبيقة أمس الى مثواه الأخير في بلدته بسكنتا، بعد مأتم رسمي في كنيسة مار تقلا في الحازمية، قلّده خلاله رئيس الجمهورية اميل لحود، ممثلاً بالوزير ميشال موسى، وسام الأرز الوطني من رتبة كومندور "نظراً لعطاءاته من أجل لبنان" وحضره رئيس جهاز الأمن والاستطلاع في القوات السورية العاملة في لبنان اللواء الركن غازي كنعان، ممثلاً الرئىس السوري بشار الأسد. قبل نحو ساعتين من الصلاة على الجناز، كان صوت النسوة المنبعث من نافذة الكنيسة، مرتلات: "من أجل الايمان نصلي، من أجلك يا لبنان نصلي"، يبعث حزناً في نفوس المحتشدين على الطريق. فالوجوم كان غالباً على وجوه المشيّعين من ذوي حبيقة ومرافقيه وليد عبدالكريم الزين وفارس يوسف سويد، ومناصريه وزملائه من السياسيين. كان الوافدون ومنهم رئيس الحكومة رفيق الحريري، يصلون فوراً الى صالون الكنيسة لتقديم التعازي الى أرملة حبيقة السيدة جينا ناشاتي وابنهما جوزف، ووالده جوزف وشقيقه شارل الذين وقفوا قرب النعوش الثلاثة. ووضعت صورة كل واحد من القتلى على نعشه تمييزاً لها في حين تميز نعش حبيقة بتوسّطه النعشين الآخرين، وبورد أحمر وضع عليه. رهبة الموت التي سادت وسط عبق رائحة البخور، لم تدم. وعند حلول الظهر غصّت الكنيسة الصغيرة بالناس ذوي الضحايا ورجال دين وصحافيين وسياسيين ومنهم ممثلا الرئىسين لحود والأسد، والنائب عباس هاشم ممثلاً رئىس المجلس النيابي نبيه بري، والوزير أسعد دياب ممثلاً الحريري، ورئيس الجمهورية السابق الياس الهراوي، ونائب رئيس المجلس النيابي ايلي الفرزلي وعدد كبير من الوزراء والنواب سابقين وحاليين، وشخصيات سياسية وعسكرية وقضائىة، وكذلك حزبية أبرزها قادة حزب الكتائب برئاسة كريم بقرادوني. ولضيق المكان وكثرة رجال الصحافة العالمية والمحلية، طُلب من الصحافيين، الذي اصطف المصورون منهم بين المذبح والنعوش، الخروج. ثم بدأت الصلاة التي ترأسها المطران رولان أبو جودة موفداً من البطريرك الماروني نصرالله صفير، وعاونه فيها عدد من المطارنة والكهنة. ثم تلا المونسنيور طوبيا ابي عاد رقيماً بطريركياً رسالة بعث به البطريرك صفير من روما، ومما جاء فيه: "آلمنا المصاب الذي حل بكم بغياب فقيدكم الوزير والنائب السابق الياس ايلي على الوجه العنيف والبغيض والمستنكر، الذي أعاد اللبنانيين ذكريات الحروب المشؤومة التي توالت على أرض وطنهم طوال سبع عشرة سنة، وكانوا ظنوا ان صفحتها طويت الى الأبد دونما رجعة". وأضاف صفير: "حدث ما حدث صبيحة يوم كنا فيه في اسيزي، نحن وممثلو كل الاديان، نصلي برعاية البابا يوحنا بولس الثاني من أجل استئصال الارهاب من العالم، وإحلال السلام في ارجائه، واختار الفاعلون ذلك اليوم ظناً منهم ان ارادة الشر والعنف ستتغلب على ارادة الخير والسلام"، معتبراً ان "هذا الحدث الأليم روّع اللبنانيين، وحمل الكثير من بينهم على رفع الصلوات لتجنيب بلدهم ما يتربص به الأشرار له من شر". وقال: "لا حاجة الى القول ان الفقيد لم يكن رجلاً عادياً، فاختصم الناس فيه. وشاء سوء طالع اللبنانيين ان تندلع الحروب في بلدهم عندما كان الفقيد، ككثر من اترابه، يحبو الى العشرين، فخاض غمارها مع رفاق له، تولى مسؤوليات نهض بها عن جدارة، على ما كانت تقتضي به الأحوال السائدة. وبعد ان صمت المدفع غير اتجاهه، فاذا به يفوز بالانتخابات النيابية على دورتين، ويتحمل اعباء هذه او تلك من الوزارات، وكان يتميز بالجدية في كل ما قام به من مهام ... وما فرق بين لبناني وآخر، وكان يجاهر بإيثاره مذهب العلمانية". ثم ألقى جورج كفوري كلمة حزب الى "الوعد" الذي أسسه حبيقة وترأسه، عرض فيها المراحل التي مرّ بها حبيقة والاتفاق الثلاثي "الذي أبعد عنه أهله وذويه ورفاقه وأرضيته الحزبية، ثم تحول لائموه الى متحمسين للطائف الذي لم يكن مختلفاً عن الاتفاق إلا في الحروب الداخلية والخسائر المادية والروحية التي كان الاتفاق سيعفي لبنان منها". وأضاف: "حين تغطرس رئيس الحكومة الاسرائىلية آرييل شارون واستباح كل المحرمات، هبّ الى شهر ملف صبرا وشاتيلا في وجهه لكبح جماح عدوانيته وتعرية صورته عالمياً، وقدم نفسه شاهداً في محكمة بلجيكا الدولية، وأصر على تغيير المزاعم وعلى تبرئة نفسه والفريق الذي كان ينتمي اليه "القوات اللبنانية" المحظورة والعودة بحقيقة ناصعة تصحح أخطاء وجه التاريخ فكان شهيد جرأته وإيمانه بالحقيقة". ثم أخرجت النعوش مرفوعة على الأكف وسط أناشيد وبعض من خطب حبيقة، لتمتزج بهتاف المناصرين ودموع الحزن. وفي حين نقل نعش سويدان الى الحدث، ونعش الزين الى رأس النبع، نقل نعش حبيقة الى بسكنتا التي خيّم عليها سكون حزن وحداد وبرد قارس متأت من ثلج صنين الذي تربض في حضنه. فأهل البلدة استقبلوا ابن بلدتهم على مدخلها حيث نصبوا الأقواس وعلقوا لافتات وصوراً وشرائط بيضاً، حتى كنيسة السيدة حيث ووري في مدافن العائلة. ونعت وزارة الشؤون الاجتماعية الوزير السابق ايلي حبيقة، الذي كان أول وزير تولاها. وقال الوزير اسعد دياب خلال جلسة عقدتها الهىئة الوطنية لشؤون المعوقين: "صدفة حزينة ان تعقد الهيئة أول اجتماع في اليوم الذي يشيع فيه أول وزير للشؤون الاجتماعية". وأوضح ان حبيقة "كانت له نظرة مستقبلية متطورة في مجال التعاطي مع الاعاقة وفتح أمام المعوقين آفاقاً واسعة". واعتبر النائب محمد فنيش "حزب الله" ان من اغتال حبيقة "استهدف الوطن والاستقرار الداخلي"، متخوفاً من "حصول مزيد من حوادث الاغتيال". واعتبر رئيس الرابطة المارونية حارس شهاب ان "اغتيال حبيقة استهدف الأمن اللبناني"، معتبراً ان "المستفيد الأكبر هو آرييل شارون". اذهان