شكلت زيارة البطريرك الماروني نصرالله صفير مدينة زحلة - عاصمة الكثلكة في لبنان وهي الاولى لرأس الكنيسة المارونية بعد زيارة البطريرك انطوان عريضة عام 1938- أول خطوة على طريق تهيئة الاجواء امام تحقيق «مصالحة» بين بكركي ورئيس «الكتلة الشعبية» النائب السابق الياس سكاف الذي بادر منذ فترة الى اطلاق اشارات سياسية في اتجاه رغبته في اعادة تموضعه السياسي على قاعدة فك التحاقه بزعيم «تكتل التغيير والاصلاح» النيابي ميشال عون، خصوصاً انه ابتعد عنه في الانتخابات البلدية في زحلة ونجح في رد الاعتبار الى نفسه بفوزه في المجلس البلدي الذي ترتب عليه اندلاع سجال مع ممثل «التيار الوطني الحر» في زحلة النائب السابق سليم عون ما زالت شظاياه تتطاير مسرعة السير في انجاز معاملات الطلاق السياسي بين حليفي الامس. وما كانت زيارة صفير زحلة لتحدث بهذه السرعة لولا الدور اللافت للسيدة منى الهرواي التي اظهرت حضوراً من خلال التحضيرات التي رعتها، وايضاً الاستعداد الذي اظهره المجلس البلدي في زحلة بتوجيه الدعوة لرعاية تكريس كاتدرائية الموارنة بعدما كان للرئيس الراحل الياس الهرواي بصماته في تشييدها وفي قرار استقلاليتها عن الكاتدرائية الام في بعلبك. ومع ان جميع الاطراف السياسييين بين كتل نيابية وحزبية شاركوا في استقبال صفير منذ وصوله الى بوابة البقاع في المريجات الى حين دخوله مكان الاحتفال في مبنى الكاتدرائية، فإن معظم القوى التي هي الآن في خصام مع سكاف ساهمت في تأمين الحشد الشعبي، وهذا ما اظهره الحضور اللافت لحزبي «القوات اللبنانية» و «الكتائب» اللذين ارادا اظهار قوتيهما للتعويض عن خسارتهما في البلدية. ناهيك بأن زيارة صفير زحلة تتزامن مع عودة التواصل بين رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري وسكاف اللذين اتفقا في اتصالهما الاخيرعلى لقاء قريب يريد من خلاله الزعيم الزحلي التأكيد على انتهاجه سياسة بعيدة عن لعبة المحاور. أما صفير، فاتسم استقباله بكثير من الترحاب خلال زيارته زحلة حيث كرّس أمس كاتدرائية مار ماورن في كسارة، مشيداً بتاريخ البقاع الموحد بعائلاته وطوائفه ومذاهبه، ومؤكداً القول المعروف كما ورد في كلمته «جارك القريب، ولا اخوك البعيد». واشاد صفير بأهالي البقاع الذين عرف عنهم «نمط عيش مشترك وانصهار وطني يشكل مكسباً يستحق المحافظة عليه، وقد صمد في وجه التطرف الذي أملته الحوادث التي مرت بنا صموداً يذكر به البقاعيون هو الذي يرفل لهم السلم الأهلي حالياً اكثر من سواه». كما بارك صفير زحلة من اعالي تمثال مقام سيدة زحلة والبقاع التي زارها في نهاية جولته الزحلية التي امتازت بإجراءات امنية مشددة غير مسبوقة . واستهلت الزيارة بمحطة استقبال رسمية وشعبية في المريجات حيث استقبل صفير كل من رئيس كتلة «نواب زحلة» طوني ابو خاطر، والنواب جمال الجراح، جوزف معلوف، عاصم عراجي، شانت جنجيان، عقاب صقر، ايلي ماروني، زياد القادري وامين وهبي، المطران منصور حبيقة، محافظ البقاع القاضي انطوان سليمان. وعند مفرق قب الياس اقيم استقبال آخر على وقع نحر الخراف ونثر الورود واطلاق الزغاريد. واستكمل موكب البطريرك جولته واقيمت له استقبالات عند مفرقي جديتا وتعلبايا. ثم بارك كنيسة مار شربل في الكرك وأهالي زحلة وصولا الى المعلقة ثم الى الاحتفال الرسمي في ساحة سراي زحلة التي فرش طريقها بالسجاد الاحمر. وكان في استقباله وزير الثقافة سليم وردة وكتلة نواب زحلة وشخصيات. وحضر الاحتفال الرسمي الى النواب الذين استقبلوه في المريجات، النواب: نقولا فتوش، روبير غانم، عاصم عراجي والنواب السابقون: ايلي الفرزلي، ايلي سكاف، خليل الهراوي، سليم عون، يوسف معلوف، كميل معلوف وهنري شديد، المستشار القاضي الشيخ ابراهيم اللدن ممثلا مفتي زحلة والبقاع الشيخ خليل الميس، رئيس اللقاء العلمائي الوطني الشيخ عباس الجوهري، وشخصيات. وتحدث خلال لاحتفال رئيس بلدية زحلة - معلقة جوزف المعلوف الذي قدم الى صفير مفتاح المدينة المذهب في علبة فاخرة من صنع الفنان جهاد الشويري القاصوف، بعدها قدم فتوش الى صفير «ايقونة ذهبية للسيدة العذراء من القرن الثالث عشر». ثم ألقى المحافظ سليمان كلمة رحب فيها بصفير. بعدها تحدث صفير مؤكداً أنه اختار « ان تكون بكركي مفتوحة للجميع، وسرّنا دائماً ان نستقبل ممثليكم وسياسييكم ووفودكم بشوق الأب الى ابنائه». ولفت الى أن زيارته «تأخرت خلافاً لما كنا نريد، لأن الظروف حالت دون اجرائها قبل اليوم، لكن الوقت زادها إلحاحاً». واشاد صفير بما حققه اهالي البقاع من «نمط عيش مشترك وانصهار وطني يشكل مكسباً يستحق المحافظة عليه»، مؤكداً أن «الاوطان كالافراد والجماعات تحتاج الى التعاون المتبادل بينها على ما فيه خيرها وسلامها، وهذا ما ندعو اليه على غرار ما هو قائم بين كل الدول المتجاورة والمتعاونة، ولا سيما التي يقوم بينها جوار حسن، وقد صدق ما يقوله المثل المعروف: «جارك القريب، ولا اخوك البعيد»، داعياً «ابناءنا الى مزيد من الوحدة في ما بينهم ومع كل فئات المواطنين. فبالوحدة نحمي الحاضر ونهيِّئ المستقبل ونصون حضورنا ونجعله مفيداً لنا ولغيرنا». وختم صفير: «لا شك عندي ان زحلة السباقة في أكثر من مجال، ستقوم بدورها الآن ايضاً في سبيل مستقبل أفضل وحضارة محبة». ثم توجه صفير الى الكاتدرائية، حيث شارك في الاحتفال حشد من انصار «القوات اللبنانية» و «الكتائب» في ظل غياب مناصري «التيار الوطني الحر»، وكان في استقباله جورج الياس الهراوي نجل الرئيس اللبناني السابق الياس الهرواي . وبعد تكريس الكاتدرائية ومباركتها، ترأس صفير القداس الاحتفالي الذي حضره وزير السياحة فادي عبود ممثلا رئيس الجمهورية ميشال سليمان، النائب عبد الطيف الزين ممثلا رئيس مجلس النواب نبيه بري والوزير عدنان القصار ممثلا رئيس الحكومة سعد الحريري، في حضور السيدة منى الهراوي، ووزراء البقاعين الاوسط والغربي ونوابهما ، العيمد وليم مجلي ممثلا نائب رئيس مجلس الوزراء السابق عصام فارس، الوزيرة السابقة ليلى الصلح ممثلة الامير الوليد بن طلال، السفير البابوي غابريال كاتشا وحشد كبير من ممثلي الاجهزة الأمنية والعسكرية والفعاليات الدينية والسياسية. والقى راعي ابرشية زحلة والبقاع المارونية المطران منصور حبيقة كلمة رحب فيها ب «الزيارة التاريخية للرجل التاريخي»، ثم تحدث عن الكاتدرائية التي عمل على تحقيقها الرئيس الراحل الياس الهراوي ومشيداً بعائلته. ثم القى صفير عظته منوِّها «بعزم المرحوم الرئيس الياس الهراوي الذي حلم بهذه الكاتردائية وتحقق حلمه»، وحيا ابناء ابرشيته، مطالبا اياهم ب «الوحدة ورص الصفوف والمصالحة والتفاهم لتعزيز وجودهم القائم في هذه المنطقة»، وقال: «تجمع في هذه الرقعة من الارض اللبنانية عدد لا يستهان به من اللبنانيين على اختلاف نزعاتهم الدينية والطائفية وقد اصابها ما اصاب سواها في فترة الاضطراب من تهجير قسري ولكن العقل تغلب على النزاعات الفردية وسادت روح التسامح وقبول الآخر والعيش المشترك». وكانت كلمة لعائلة الرئيس الهراوي القاها نجله جورج موجهاً الشكر الى صفير لرعايته تكريس الكاتدرائية، مؤكداً تعلق المسيحيين بأرضهم وتجذرهم فيها على رغم كل الظروف. ثم توجه صفير في زيارة قصيرة الى منزل الرئيس الهراوي في حوش الامراء، حيث شكر لعائلته الحفاوة التي بذلتها خلال الزيارة. واختتم زيارته الزحلية بمباركة مدينة زحلة خلال زيارته لمقام سيدة زحلة والبقاع حيث استقبله راعي ابرشية الفرزل وزحلة والبقاع للروم الكاثوليك المطران اندره حداد الذي وصف صفير بأنه «قديس مناضل في سبيل الحفاظ على الوطن لبنان». كما قدم اعضاء كتلة «نواب زحلة» درع المدينة الى البطريرك. ثم عاد صفير الى بكركي على متن مروحية.