مع إطلاق الرئيس حسني مبارك مبادرة خدمة الانترنت المجانية، تبدو مصر وكأنها تعود الى دور الريادة في مجال الحق في المعرفة والتعلم. وتذكر المبادرة بالشعار الشهير "العلم مجاناً كالهواء والماء" الذي رفعه المفكر المستنير ووزير المعارف في نهاية الاربعينات، الدكتور طه حسين. وهنالك فارق بين المجانيتين: فالتعليم في زمن طه حسين كان مطلوباً للتغيير في الفكر ولزيادة الوعي، أما في حال الانترنت، فمطلوب جهاز كومبيوتر بكلفة متوسطة، وخط تليفون للاتصال بالشبكة. ويعني ذلك زيادة الانفاق الأسري، وهو الشرط المكمل لإنجاح فكرة المجانية. والمعلوم ان عدد مستخدمي الانترنت حالياً 800 ألف شخص، ويتوقع ان يرتفع إلى مليونين في نهاية السنة إذا نجحت المبادرة المطروحة. وأعلن الرئيس مبارك هذه المبادرة، وهي الاولى من نوعها في العالم العربي والشرق الاوسط وأفريقيا، خلال افتتاحه اعمال معرض القاهرة الدولي للاتصالات والمعلومات "كايرو تيليكوم". وتشمل الخدمة المجانية القاهرة الكبرى القاهرة - القليوبية - الجيزة، بدءاً من منتصف كانون الثاني يناير الجاري، على أن تعم بقية المحافظات مع حلول نهاية السنة 2002. ماذا تعني الانترنت المجانية؟ وتترجم المجانية بأن يكون الدخول الى الشبكة من دون اشتراك، ولا يكلف سوى ثمن المكالمة المحلية عبر الهاتف الذي يوصل الكومبيوتر الى الانترنت. ويساوي ذلك الاتصال ما كلفته جنيه واحد لكل ساعة. وستقسم عوائد مكالمات الاتصال مع الشبكة الدولية للكومبيوتر بين شركة الهاتف ومزود خدمة الانترنت. واتفق على ان يحصل مزود الخدمة على 70 قرشاً من عوائد الاتصال الهاتفي، في حين تكتفي الشركة المصرية للاتصالات بال30 قرشاً الاخرى الجنيه يساوي 100 قرش. ويرى الخبراء ان استكمال هذه المبادرة يتحقق عبر خفض ثمن امتلاك جهاز الكومبيوتر، وهو الأمر الذي يقتضي تحقيقه توافر شروط عدة. ففي الحال المصرية، يجدر التنبه الى ضرورة الاسراع في مشروع الحاسب الاقتصادي الذي تتبناه الحكومة لتوفير اجهزة رخيصة الثمن. ومن المهم كذلك اعادة النظر بجدية في نسب الجمارك الحكومية على الكومبيوتر، والتي تراوح بين 15 و20 في المئة. وهناك اتفاق بين الخبراء على ضرورة التنسيق المستمر بين الحكومة والشركات المزودة للانترنت في البلاد من جهة، والشركات العالمية المصنعة لأجهزة الكومبيوتر من الجهة الثانية. وعلى رغم الخسارة الفورية للمبالغ التي تتقاضاها شركات الانترنت في مقابل اشتراكات الدخول الى الشبكة، الا ان هذه الشركات لم تفاجأ لأنها علمت بقرار الحكومة مسبقاً. وتوقع بعض الخبراء حدوث تغيير في خريطة شركات الانترنت، وربما شهدت السوق اندماجات بين الكيانات الأضعف، وذلك في محاولة منها لتشكيل كيانات اكثر قوة. واستغل مبارك احتفالية المناسبة ليشدد على أهمية التقدم في المجال التكنولوجي الذي أولته الحكومة رعاية كاملة منذ كانون الأول ديسمبر عام 1999. وأشار الى انشاء أول وزارة في البلاد لتكنولوجيا المعلومات يتولاها خبير في المجال. وفي تصريح الى "الحياة"، علق وزير الاتصالات احمد نظيف على المبادرة مشيراً الى قرار خفض ايجار الخطوط المستخدمة لنقل المعلومات والانترنت داخل البلاد بنسبة 50 في المئة. وأشاد بخفض اسعار بعض الخدمات الاخرى التي تقدمها "المصرية للاتصالات"، مثل تأجير الخطوط الهاتفية المعروفة بنظام "بي. آر. آي" وغيرها. وتشمل التسهيلات ايضاً شطب كلفة تركيب خطوط نقل المعلومات، التي تسدد مرة واحدة قبل بدء الخدمة. وسبق منذ أكثر من عام خفض ايجار خطوط نقل المعلومات داخل البلاد بنسبة وصلت الى 50 في المئة. تقييم أولي للخبراء ويعلق الخبراء اهمية على اطلاق خدمة الانترنت المجانية كون ذلك سيسهم في تحويل مصر الى مركز الانترنت في الشرق الاوسط. واشار البعض الى ان المبادرة جاءت بعد مسار إدخال الانترنت الى مصر في العام 1992 عن طريق المجلس الاعلى للجامعات ومركز المعلومات. ولاحظ توقف هذا المسار عن التطور بين عامي 1997 - 1999، اذ لم يتم توفير التمويل اللازم للتوسع في الانترنت بالمعدلات المطلوبة. وشكل هذا التوقف أحدى الانتقادات التي وجهت الى الحكومة السابقة برئاسة الدكتور كمال الجنزوري، ما ادى الى تشكيل لجنة في مجلس الوزراء لبناء شبكة قطرية مؤمّنة وموحدة للانترنت تغطي البلاد. وثمة من يرى في مبادرة مصر خوضاً جدياً في مجال اللحاق بركب التطور العلمي في العالم.