} بدا مهرجان "القرين" الثقافي الذي ينظمه المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب تتويجاً للسنة الثقافية التي أحيتها الكويت كعاصمة ثقافية للعام 2001. فالمهرجان اختار لدورته الثامنة عنواناً بارزاً هو: "الأدب في الكويت خلال نصف قرن 1950 - 2000". وحول "قضايا" الأدب الكويتي دارت الندوة الرئيسة التي شارك فيها اكثر من عشرين ناقداً من الكويت والعالم العربي. إلا ان المهرجان ضمّ ايضاً عروضاً مسرحية ومعارض تشكيلية وحفلات غنائية وموسيقية ساعياً الى التوفيق بين الطابع النخبوي والطابع الشعبي. ومثلما أكد الأمين العام للمجلس الدكتور محمد الرميحي في كلمته الافتتاحية، فان المهرجان يواصل "المسيرة من اجل إثراء حركة الفن والأدب والثقافة في الكويت". أما الندوة الأدبية الرئيسة فحاولت من خلال الأبحاث الكثيرة والمتعددة أن توضح معالم الأدب الكويتي وأن تحدد موقعه على خريطة الأدب العربي عموماً منطلقة من الأسئلة التي يطرحها دوماً النقاد والمبدعون والقرّاء في العالم العربي: ماذا عن الأدب الكويتي؟ كيف انطلق وأين أصبح؟ ولماذا لم يُعرف من روّاده ووجوهه عربياً إلا القلّة القليلة؟ استطاع المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب ان يغزو العالم العربي عبر المجلات والكتب والمطبوعات الدورية التي يصدرها. واستطاعت تلك المنشورات ان تحتل المكتبات العامة والخاصة في العواصم والمدن تبعاً لأسعارها الزهيدة أولاً ثم للمادة التي تتضمّنها سواء عربية كانت أم مترجمة. وغدا القرّاء على اختلاف مراتبهم ونزعاتهم ينتظرون تلك المنشورات شهرياً أو فصلياً: عالم الفكر، المسرح العالمي، عالم المعرفة، الثقافة العالمية، مجلة العلوم، جريدة الفنون ... وكانت مجلة "العربي" غزت الأسواق أصلاً قبل اكثر من أربعين عاماً متحوّلة ما يشبه المنبر العربي الذي تلتقي فيه الأقلام والأفكار والأذواق. وإن أخذ البعض من المثقفين والقرّاء بعض المآخذ على بعض الترجمات أو الأبحاث والمقالات التي توالت هذه المطبوعات على نشرها فهي ظلّت منبعاً من منابع المعرفة الرئيسة وخصوصاً للقرّاء الذين لا يجيدون لغة غير اللغة العربية. ونشأت حقاً أجيال بكاملها على هذه المنشورات وما وفّرته من ثقافات ومعلومات ونصوص. وعوض أن تكون هذه المطبوعات سبيلاً الى ذيوع الأدب الكويتي وانتشاره عربياً بدت عربية الطابع سواء عبر الأقلام المشاركة فيها أم عبر الهموم والشؤون أو القضايا التي تعالجها. وكان الحضور الكويتي مماثلاً لأي حضور "قطْري" آخر. وربما ساهمت هذه المطبوعات في شهرة بعض الأسماء الكويتية التي دأبت على الإطلالة منها لكنها لم تقصر غايتها على ترويج الأدب الكويتي والثقافة الكويتية عموماً. فالأدباء الكويتيون الذين يُقرأون خارج الكويت لجأوا الى بعض الدور البارزة في القاهرةوبيروتودمشق وسواها لا هرباً من "العزلة" المحلية بل مشاركة في حركة المعترك الثقافي العربي. أما الأدباء والشعراء الذين نشروا مؤلفاتهم في الداخل فلم يحظوا إلا بالندرة من القرّاء العرب، وظل الكثر منهم شبه مجهولين أو معروفين بأسمائهم وليس بنتاجهم. هذه القضية أثارتها الشاعرة والناقدة الأكاديمية الكويتية نجمة إدريس في تعقيبها خلال الجلسات النقدية على مداخلة الناقد السوري فايز الداية وعنوانها "الأدب الكويتي في عيون النقاد العرب". وكانت إدريس حادة في قراءتها مفهوم هذه العلاقة بين الأدب الكويتي والنقد العربي واعتبرت ان حال الدراسات والبحوث العربية التي تناولت الأدب الكويتي تذكّر بالمثل القائل: "هذه بضاعتنا ردّت إلينا". فما ينجز على هذا المستوى برأيها هو "للاستهلاك المحلي ولمكتباتنا المحلية ولدارسينا المحليين". وتضيف: "كم هو عسير أن نجد واحدة من هذه الدراسات على رفّ مكتبة في جامعة عربية أو مكتبة تجارية في القاهرة أو بيروت أو دمشق، ناهيك بطرابلس أو الرباط أو الخرطوم". قد تكون "ورقة" الشاعرة نجمة إدريس خير مدخل الى قراءة هذه "الظاهرة" السلبية بل هذه "العزلة" التي يعانيها الأدب الكويتي. فتسويق هذا الأدب في رأيها يحتاج الى عقلية أو مبادرة أشد مرونة وحركة ويحتاج كذلك الى فهم قوانين السوق الثقافية. وتقول: "وهذا ما تنبّه له أخيراً بعض أدبائنا فنهضوا لطباعة نتاجهم وتوزيعه في دور النشر العربية وكان مردود ذلك واضحاً ومدهشاً إذ وجدوا الاهتمام والحظوة لدى القارئ العربي أولاً ثم لدى الدارسين والنقاد العرب". وإذ تنوّه بظاهرة تأسيس المطابع المحلية وتكاثرها فهي تأخذ عليها طابعها الحكومي أو التجاري معتبرة أنها تحتاج الى إعادة تأهيل وإلى ادراك متطور لفحوى رسالتها الثقافية وإلى آلية اكثر حيوية وطموحاً في ما يتعلق بالتوزيع والانتشار خارج الكويت. ولا تلبث نجمة إدريس ان تعلن تشاؤمها حيال مستقبل الكتاب الكويتي الذي "سيشهد، كما تقول، المزيد من التقوقع والحصار في الدوائر المغلقة"، نظراً الى "تخلّف سياسة النشر والتوزيع في الكويت" وإلى "غياب الهدف والرؤية" وإلى "انعدام المسؤولية الثقافية". ولا تكتفي إدريس بتوجيه اللائمة الى الناشرين ودورهم أو مطابعهم بل تنحو لوماً على الأديب أو المبدع الكويتي نفسه والدور المهم الذي ينبغي له أن يقوم به ليقنع "الآخر بتميّزه وخصوبة طرحه وقدرته على الإضافة والتجديد وخلق خصوصية فنية تدل عليه". وتتهم بعض الشعراء والأدباء من دون تسمية أحد ب"التقاعس عن تطوير أنفسهم والاكتفاء بمساحة نصر صغيرة أو الخلود بقناعة الى مجد سالف أو الحومان في دائرة من التكرار والرتابة". وترى ان تطوير النفس إبداعياً وفكرياً يفترض "تواصلاً مع القراءة ومستجدات المعرفة الإنسانية وانفتاحاً على التجارب ومغامرات التجريب والقفز فوق الثبات والاجترار". لعل "ورقة" الشاعرة والناقدة نجمة إدريس من أجرأ "الأوراق" أو المداخلات النقدية التي قدّمت خلال الندوة التي ضمّت عشر حلقات وخمسة محاور الشعر في الكويت، القصة والرواية، المسرح، المقالة، النقد العربي والأدب الكويتي وأكثر من عشرين باحثاً. لكن بعض المداخلات الشفوية والمرتجلة لم تخلُ من الجرأة، إذ عبّر بعض الكتّاب ولا سيما الكاتبات عن آرائهم بحرّية مطلقة. أما ما يؤكد مقولة إدريس "هذه بضاعتنا ردّت إلينا" فهو تركيز الباحث فايز الداية دراسته عن "الأدب الكويتي في عيون النقاد العرب" على ما نشره النقاد العرب في الكويت عموماً وما يمكن استثناؤه من نقد عربي نُشر خارج الكويت هو قليل جداً. وقد عوّل كثيراً على ما نُشر في مجلة "البيان" الصادرة عن رابطة الأدباء في الكويت من دراسات ومقالات. يصعب عرض المداخلات النقدية والأبحاث التي تناولت مفاهيم الانتاج الإبداعي في الكويت شعراً وقصة ورواية ومسرحاً. وبدا معظمها أكاديمياً ومنهجياً ويتطلّب قراءة هادئة. في المجال الشعري تناول الباحث المغربي محمد العمري "البنية الإيقاعية في الشعر الكويتي" عقّب عليه الباحث الكويتي سالم عباس خدادة ومما استخلص في بحثه: "يلاحظ المتتبع في مسار الانتقال من الشعر المنتظم الى الشعر الحر أن حركة الشعر الحر نشطت في الستينات ثم استرجع الشعر المنتظم توسّعه في السبعينات ثم عاد الحر الى التوسع في الثمانينات ثم توسع المنتظم في التسعينات مزاحماً حركة الشعر الحر التي بدأت تستقل مع جيل جديد من الشباب". أما الباحث المصري جميل عبدالمجيد فتناول "اللغة الشعرية في القصيدة الكويتية بين العمودي والتفعيلي" عقّب عليه الباحث التونسي محمد الهادي الطرابلسي واختار نمطين يمثلهما ديوان "المهجّرون مع الرياح" للشاعر خليفة الوقيان وديوان "عاد من حيث جاء" للشاعر ابراهيم الخالدي. الباحثة الكويتية سعاد عبدالوهاب عبدالكريم تناولت "استدعاء التراث في الشعر الكويتي". ورأت ان ثمة عاملين رئيسين حفّزا الشعراء الكويتيين على استدعاء التراث هما: الدعوة الى النهضة القومية في كل ما تستدعي من إحياء للتراث وتمجيده والاقتباس منه وفنية القصيدة التي تمس جوهر الصوغ الشعري وهذا الأمر الذي يرجع الى فن تشكيل القصيدة يمثل خصوصية بارزة في "لغات" الشعراء. وتحت العنوان نفسه "استدعاء التراث في الشعر الكويتي" قدّم الباحث المصري علي عشري زايد دراسة مختلفة منهجاً ومقاربة. ومن الأبحاث التي تناولت القصة في الكويت بحث للناقد السوري صلاح صالح تحت عنوان "المكان في القصة الكويتية" عقّب عليه الباحث المصري مصطفى الضبع ودار البحث حول: المكان في نظرية الرواية، أبعاد المكان، علاقة المكان بالزمن والشخصيات، إسهام في تشكيل الشخصيات، الأمكنة داخل الكويت، البحر، المدينة القديمة والبيوت الطينية، البيوت والشقق في المدينة المعاصرة، الصحراء، الأمكنة الواقعة خارج الكويت، دلالة الأسماء. أما الباحث المغربي حميد لحمداني فتناول "اشتغال الزمن في القصة الكويتية" عقّب عليه الباحث الكويتي مرسل صالح العجمي. ورأى الباحث ان اشغال الزمن في القصة الكويتية يرتكز على مبدأ حرية الابداع حتى وإن تمّ الخضوع أحياناً لتقاليد أدبية سردية معروفة. ويرجع سبب هذه الحرية الى أن هامش الابتكار لدى القصاصين في مستوى الزمن واسع ولا نهائي في إمكاناته. ولذلك فأي محاولة لوضع تصنيف للقصص على أساس تماثل تام للبنى الزمنية في مجموع النصوص لن تكون سوى مضيعة للجهد. فالزمن هو سمة أسلوبية في القصة والأسلوب هو علامة أساس على الاختيارات الذاتية في الأعمال الإبداعية. ومن الأبحاث التي دارت على المسرح الكويتي نصاً وترجمة أو اقتباساً "قضية الغربة والاغتراب في النص المسرحي الكويتي" للناقد السوري نديم معلاّ محمد عقّب عليه الناقد المصري عبدالغفار مكاوي. ورأى الباحث ان الغربة تبدو كموضوعة إنسانية - اجتماعية، في المسرح الكويتي، كأنها محصلة أو نتيجة لمجتمع انفتح على العالم، بعد أن أدركه النفط، وخلخل بناءه. فاتسعت الفجوة بين نمطين مختلفين للحياة: القديم والجديد، وكان التقابل بينهما حاداً لأن الجديد الحديث، خرج على سياق التطور الطبيعي المتدرج، متكئاً على الوفرة النفطية، وكأن ثمة حرقاً للمراحل قد جرى. والانفتاح على ثقافة مغايرة، وهي ثقافة ممارسة قبل كل شيء تنهض على براغماتية واضحة وتتجلى من خلال استخدام المنتج، استخداماً آلياً من دون الوقوف على حيثيات إنتاجه أو تمثلها. وتناول الناقد البحريني ابراهيم عبدالله غلوم "حضور التراث في النص المسرحي في الكويت: الأوهام والتناقضات" عقّب عليه الكاتب الكويتي عبدالعزيز السريع. وبدت مداخلة غلوم جرئية منذ مطلعها، إذ رفض مقولة "استدعاء" التراث أو "توظيفه"، إذ ان مثل هذه المقولات تدل على هامشية أدلة حضور التراث سواء في النص أم في العرض. أما المداخلة الأولى التي افتتحت أعمال الندوة فكانت عبارة عن محاضرة طويلة ألقاها الشاعر الناقد الكويتي خليفة الوقيان تحت عنوان "من الجهود الثقافية المبكرة في الكويت: 1682 - 1939" وفيها استعرض الباحث المراحل التي اجتازتها الحركة الثقافية في الكويت، إبداعاً ونشراً وتأريخاً. لعل ما كتبه الدكتور محمد الرميحي مستبقاً مهرجان "القرين" في العدد الذي خصّته مجلة "المدى" بالأدب الكويتي يعبّر عن طموحات الحركة الثقافية في الكويت ومما ورد في "تقديم" العدد: ان الثقافة والإبداع في الكويت، لا يختلفان كثيراً عنهما في بقية الأقطار العربية، فهما في جوهرهما انعكاس فني، بدرجة أو أخرى، للواقع اليومي الحيّ كما يعيشه ويعانيه ويفهمه ويجسّده الفنان والمثقف والباحث في الكويت، وكشف صادق لمختلف نواحي الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية". ترى هل سيساهم مهرجان "القرين" في كسر "العزلة" التي يعانيها الأدب الكويتي أم أن الأبحاث التي قدّمت خلاله سترقد مثل سواها على رفوف المكتبات الكويتية مجسّدة المثل القائل: "هذه بضاعتنا ردّت إلينا" كما أشارت الشاعرة والناقدة نجمة إدريس.