Serge Cordelier & Biatrice Didiot. L' Etat du Monde 2002. حالة العالم 2002. La Decouvert, Paris. 2002. 670 Pages. يتيح لنا هذا الكتاب الدوري السنوي عن "حالة العالم" ان نطرح السؤال المحدد التالي: ما موقع العالم العربي، بدوله التسع عشرة، في هذا العالم؟ الإجابة عن هذا السؤال ستتخذ بالضرورة طابعاً كمياً نظراً الى الطبيعة الاحصائية و"الجدولية" لهذه الحولية الاقتصادية والجيوبوليتيكية. ونقطة الانطلاق لا بد أولاً ان تكون ديموغرافية. فتعداد سكان العالم العربي، باستثناء اليد العاملة الاجنبية المهاجرة في دول الخليج، قد بلغ في العام 2000 نحواً من 274 مليون نسمة. واذا أخذنا بعين الاعتبار ان سكان العالم قد بلغ تعدادهم في ذلك العام نفسه 6057 مليون نسمة، فهذا معناه ان سكان العالم العربي يؤلفون 4.5 في المئة من سكان العالم. والحال ان هذا الحضور العربي في جدول سكان العالم لا يقابله حضور اقتصادي موازٍ. فالناتج الاجمالي للعالم بلغ نحواً من 32000 بليون دولار، علماً ان الناتج القومي لجملة البلدان العربية التسعة عشر لم يتعد 1100 بليون دولار، مما يعني ان حصة العالم العربي من الناتج العالمي لا تتعدى 3.4 في المئة، مقابل حصة ديموغرافية تصل الى 4.5 في المئة. لكن هذا المؤشر نفسه ليس صادقاً كل الصدق. فباستثناء لبنان وبعض الدول النفطية الصغيرة مثل قطر والكويت والإمارات، فإن الناتج القومي لكل دولة عربية على حدة يحسب، لا بسعر الصرف الجاري للدولار الاميركي، بل طبقاً لقدرته الشرائية داخل الدولة المعنية. وعلى هذا النحو فإن الناتج القومي الخام لكل دولة عربية على حدة، مقاساً بالقدرة الشرائية المفترضة، يضاعف مرتين أو ثلاث مرات أو حتى أكثر. وهذا يصدق بوجه خاص على الدول العربية الكثيرة تعداد السكان. فالناتج القومي المصري يضرب، على سبيل المثال، ب2.4. وعلى هذا النحو يرتفع من 90 بليون دولار بقيمة سعر الصرف الى 214 بليون دولار بقياس القيمة الشرائية. كذلك يضرب الناتج القومي المغربي ب2.8، فيرتفع من نحو 35 بليون دولار بقيمة سعر الصرف الى 97 بليون دولار بقياس القدرة الشرائية. كذلك يضرب الناتج القومي الجزائري ب3.1 فيرتفع من 50 بليون دولار الى 152 بليون دولار. ويعود قصب السبق في هذا المجال الى الناتج القومي السوري، اذ يضرب ب3.6 فيرتفع من نحو 19 بليون دولار الى نحو 70 بليون دولار. والحال ان مؤشر القوة الشرائية هذا غير دقيق. ويكفي تدليلاً على ذلك انه بموجبه يغدو الفرد السوري "أغنى" من الفرد اللبناني. فهذا لا يزيد دخله السنوي محسوباً بالقوة الشرائية على 4092 دولاراً، بينما يرتفع الفرد السوري، بالحساب نفسه الى 4454 دولاراً. والواقع اننا لو أعدنا حساب الناتج الاجمالي العربي على أساس سعر الصرف الفعلي للدولار، لا على أساس القوة الشرائية التقديرية، لانخفض الى حوالى النصف، ولما عاد يعادل سوى 1.7 في المئة من الناتج الاجمالي العالمي، مما يعني ان الحضور الاقتصادي للعالم العربي في العالم أضعف بمرتين ونصف المرة من حضوره الديموغرافي. والواقع ايضاً اننا نملك معياراً ثميناً آخر لقياس مدى تطور العالم العربي، أو تخلفه بالأحرى، بالنسبة الى العالم ككل. فبرنامج الاممالمتحدة للتنمية قد اعتمد منذ 1990 مؤشراً جديداً لقياس تطور أو تخلف كل بلد على حدة من بلدان العالم سماه "مؤشر التنمية البشرية". وتدخل في تركيب هذا المؤشر عوامل ثلاثة: 1ً- الدخل السنوي الفردي بحساب القوة الشرائية، 2ً- معدل وفيات الاطفال وأجل الحياة المتاح، 3ً- نسبة الأمية بين الراشدين ومعدل التمدرس لغير الراشدين. وبموجب مؤشر التنمية المركب هذا صنف خبراء برنامج الأممالمتحدة للتنمية، بلدان العالم، طبقاً للمعطيات الاحصائية والرقمية المتاحة عام 2000، الى خمس مراتب: 1ً- البلدان العالية التطور جداً، ويتراوح مؤشرها الرقمي بين 0.999 و0.900. 2ً- البلدان العالية التطور، ويتراوح مؤشرها الرقمي بين 0.899 و0.800. 3ً- البلدان المتوسطة التطور ويتراوح مؤشرها الرقمي بين 0.799 و0.700. 4ً- البلدان الضعيفة التطور، ويتراوح مؤشرها الرقمي بين 0.699 و0.500 5ً- البلدان الضعيفة التطور جداً، وهي تلك التي يقل مؤشرها الرقمي عن 0.499، وقد يتدنى في الحالات القصوى الى اقل من 0.200. في عداد البلدان العالية التطور جداً، وتعدادها 21 بلداً، تندرج جميع بلدان اميركا الشمالية وأوروبا الغربية واوستراليا باستثناء المكسيك واليونان والبرتغال. وليس في عداد هذه المجموعة دولة عربية واحدة. وبالمقابل، فإن ثمة أربع دول عربية نفطية صغيرة، هي البحرين والكويت والامارات وقطر تندرج في عداد البلدان العالية التطور التي تضم 27 بلداً، وفي جملتها اسرائيل والتنانين الأربعة الصغيرة وقبرص وبعض بلدان أوروبا الشرقية مثل تشيخيا وهنغاريا وبولونيا وسلوفينيا وكرواتيا. اما المجموعة الثالثة، وهي مجموعة البلدان المتوسطة التطور، فإنها تضم 38 بلداً ينتمي اكثرها الى اميركا اللاتينية وبعض أقطار الاتحاد السوفياتي السابق مثل روسيا وأوكرانيا وكازاخستان، بالإضافة الى تركياوماليزيا والصين. والى هذه المجموعة المتوسطة التطور تنتمي ست دول عربية يمتاز اكثرها بصغر الحجم السكاني مثل تونس والأردن ولبنان. وبالمقابل فإن كبرى الدول العربية من حيث تعداد السكان، ونقصد مصر والمغرب والجزائر - بالإضافة الى سورية - تنتمي جميعها الى مجموعة البلدان الضعيفة التطور، وهي المجموعة التي تضم 30 بلداً تتوزع ما بين آسيا الوسطى وشبه القارة الهندية والهند الصينية وافريقيا جنوب الصحراء. وتأتي في المرتبة الأخيرة قائمة البلدان الضعيفة التطور جداً، وتضم 36 بلداً من افريقيا السوداء نيجيريا، تنزانيا، الكونغو، مالي، الحبشة ومن شبه القارة الهندية باكستان وبنغلادش والنيبال. وفي عداد هذه المجموعة الخامسة تندرج ثلاث دول عربية هي اليمن والسودان وموريتانيا، بالإضافة في أرجح الظن الى العراق الذي لا تتوافر بصدده أرقام موثوقة، ولكن الذي تنم جميع المؤشرات عن تراجعه في السنوات العشر الأخير من مرتبة الدول المتوسطة التطور الى مرتبة الدول الضعيفة التطور، فمرتبة الدول الضعيفة التطور جداً. واجمالاً، فإن مؤشر التنمية البشرية للعالم العربي بجملته هو 0.648 وهو رقم يتدنى ب68 نقطة عن المؤشر الوسطي للتنمية البشرية في العالم بأسره والبالغ 0.716. وهذا التدني في المرتبة الاجمالية للعالم العربي عن المعدل الوسطي العالمي يجد تعليله في عاملين اثنين: 1ً- التدني النسبي لمستوى الناتج السنوي للفرد العربي. فعلى رغم ان هذا الناتج يرتفع - بفضل العوائد النفطية تحديداً - الى 4555 دولاراً بحساب القوة الشرائية، فإنه يبقى أدنى من المتوسط العالمي الذي ىبلغ 6290 دولاراً. 2ً- ارتفاع مستوى الأمية في عداد الراشدين وانخفاض مستوى التمدرس لغير الراشدين. فمعدل الأمية بين الراشدين العرب يرتفع الى 39 في المئة، ومعدل تمدرس غير الراشدين ينخفض الى 63 في المئة. وهذا معناه ان عدد الأميين العرب يزيد اليوم على 100 مليون نسمة. وهذا العدد غير مرشح للانخفاض في السنوات المقبلة نظراً الى ان واحداً من كل ثلاثة اطفال من العرب لا يأخذ طريقه اليوم الى مقاعد المدرسة.