} بيروت - "الحياة" - "سامر" اسم اختاره بديلاً عن اسمه الحقيقي ليروي ل"الحياة" سبب دخوله الى سجن روميه - قسم الأحداث، وانتظر نحو سنتين لبدء محاكمته. لم يكن في حينه بلغ 16 سنة حين سيق الى السجن بتهمتي السرقة والدعارة. نزع القبعة الصوفية عن رأسه كاشفاً عن وجه طفولي حزين، كانت يداه وشفتاه ترتجفان واغرورقت عيناه بالدموع حين راح يستعيد كابوساً لا يرغب في استرجاعه: "كان عمري ثلاث سنوات، وبحسب ما أذكر لم تكن أمي تطيع أبي فطلقها وتزوج امرأة أخرى، تركتنا أمي، شقيقي وأنا مع أبي، وكلما حاولت رؤيتنا في المدرسة أو أن تأخذنا الى منزلها، كان أبي يعلم بالأمر ويلحق بنا ويوسع أمي ضرباً في الشارع، وحين يعيدنا الى المنزل يضربنا بأي شيء يكون في متناول يده، حتى بت أكره رؤية أمي، مع انني أرغب في ذلك كثيراً، خوفاً من عقاب والدي. واستمر الأمر على حاله الى ان بلغت 11 عاماً، وقررت ان اهرب من المنزل، لكنني لم أفلح الا بعد سنتين. نزلت من ضيعتنا في شمال لبنان الى حي السلم ضاحية بيروت الجنوبية، رحت أنام في السيارات المحطمة في المريجة، وعندما كنت أريد ان استحم كنت أقصد بيت رفيق لي تعرفت عليه، ثم أعود الى السيارات المكسورة، حاولت العمل واشتغلت في فرن كان صاحبه يعطيني 160 ألف ليرة شهرياً، وصرت أشتري ثياباً حين تتسخ ثيابي، وتعرفت الى رئيس عصابة سرقة دراجات نارية ومنازل، والى شخص آخر يعمل في بيع الخضار، الأول لا يتجاوز عمره 21 عاماً والثاني يفوق ال45 عاماً، وسكنت معهما في شقة مستأجرة، وقررت سرقة دراجة نارية لأجوب بها الشوارع". ويتابع "سامر": سرقتها في الليل وأعدتها صباحاً، واخبرت رئيس العصابة بما فعلته فضحك عليّ. حاولت أن ألجأ الى أمي لكنها رفضت استقبالي خوفاً من أن يعرف أبي فيضربها ويضربني، وهرب أخي بدوره من المنزل بعدما حبسه والدي ست ساعات في المخفر عقاباً له على فعلة سخيفة ارتكبها، وعرفت لاحقاً ان أخي سرق لاحقاً وأودع السجن. عدت الى رئيس العصابة وأصبحت أساعده في سرقة الدراجات النارية، وفي احدى المرات اصعدت فتاة الى جانبي على الدراجة وأخذتها الى المنزل لكن من كانوا في داخله اغتصبوها وبقيت أنا في الخارج أراقب المحيط، ووعندما أوقفت القوى الأمنية الفاعلين أخلت سبيلي لأنني لم أفعل شيئاً. وانتقلت الى منزل رفيق آخر تعرفت عليه كان يروّج دولارات مزيفة قال لي انه يعرف أخي وراح يعتني بي، وصرت أروّج الدولارات المزيفة مع سبع فتيات يعملن معه، حتى انكشف أمره فهربت ولجأت الى الشاب الذي كنت أستحم عنده. وكان بدوره يروّج المخدرات والدولارات المزيفة وصار يعطيني المال ويمنعني من السرقة الى ان انتقل الى منطقة بعلبك فقررت اللجوء مرة أخرى الى أميّ لكنها رفضت للمرة الثانية، فلجأت الى عماتي فطردنني، وعدت الى منزل والدي بعد سنة على الهروب فسألني ان كنت سرقت أو قتلت وحين أجبته بالنفي سمح لي بالبقاء معه، وعملت في قطاف الزيتون، وحين انتهى الموسم، دبّ خلاف بين أبي وزوجته التي خيّرته بين بقائي معهما وبين بقائها فأجابها: "عندما أرجع من الخدمة أتصرف". وكان على "سامر" ان يحسم الموقف فغادر المنزل وعاد الى حي السلم أحد أحزمة البؤس التي تحيط بالعاصمة، وهناك تعرف الى فتاة تسرق دراجة نارية وعرّفته بدورها الى شابين، وعاش معها لفترة من الزمن الى حين تمت ملاحقتها بتهمة الدعارة، فهرب "سامر" الى الشمال وتعرف الى عصابة في محلة القبة طرابلس تدعي انها جمعية خيرية وتجمع المال باسمها وضبطت العصابة، فعاد "سامر"، كما يروي مرة جديدة الى حي السلم حيث تعرف الى المزيد من المنحرفين الذين يشكلون عصابة سرقة. وقال: "احتفلوا بانضمامي اليهم بإقامة حفلة وشرب الجميع حتى الثمالة وفي اليوم التالي عملت في فرن أما في الليل فرحت أعمل مع العصابة". في احدى الليالي ضبطت دورية لقوى الأمن "سامر" ورفيقه يسرقان دراجة نارية "لاحقتنا الدورية في شوارع بيروت، وتمكنت من الإفلات منها، لكن رفيقي أوقف وحين عدت الى منزل العصابة لأخبرهم بما حصل قالوا إليّ اذهب واشترِ الدراجة التي سرقتماها من صاحبها وهكذا ننقذ رفيقنا، لكنني لم أعثر على صاحبها، وعدت ووجدت الشباب نياماً، فنمت الى جانبهم وفي الصباح جاء الدرك، والقى القبض علينا جميعاً، كانت الشقة مملوءة بالمسروقات". قليلة هي زيارات والده الى سجن رومية، وهي ان حصلت تتحول الى شجار أثناء المواجهة. يقول "سامر": "زارتني عمتي ايضاً وشمتت بي. أما أنا فقررت الصمت في كل زيارة أتلقاها من أبي، وان خرجت من السجن سأسرق الجمل لأنني سرقت البيضة. أكره أبي كلما تذكرت ماذا كان يفعل بنا وبأمي. في احدى المرات، كنت أقود دراجة، مررت بشارع تذكرته فوراً اذ كان أبي يضرب أمي فيه ونحن صغار، وقفت جانباً وأجهشت بالبكاء". "سامر" يفضل حياة السجن على الحرية لأنه في السجن قرأ لجبران خليل جبران وميخائيل نعيمة، أما خارج السجن فإن رغبتين تتنازعاه الانتحار أو قتل والده "فهو لا يحبني ولا أذكر انه تفوه مرة واحدة بكلمة أحبك".