لماذا يسرق الصغار؟ ولماذا أصبحت ظاهرة السرقة منتشرة أكثر من اي وقت مضى..؟ وهل نصف صغارنا اذا ما امتدت ايديهم الى ما لا يملكونه بأنهم لصوص صغار؟ أم أن الأمر يحتاج أن يسوقنا ويطرح عددا أكبر من علامات الاستفهام؟ .. السرقة عند الصغار تعني استحواذهم على أشياء ليست ملكا لهم دون وجه حق. وهي ايضا سلوك مرضي يعبر عن حاجة نفسية لدى الصغار تحتاج الى اشباع.. وتبدأ لدى الأطفال بصورة واضحة في المرحلة العمرية من سن 4إلى 8سنوات، والطفل في هذه السن عندما يسرق يفعل ذلك بشكل عفوي أو تلقائي لأنه لم يصل الى مرحلة النضضج العقلي أو الاجتماعي الذي يجعله يميز ما يملكه، وما يملكه الآخرون اما اذا استمر هذا السلوك المرضي (السرقة) لدى الطفل في المرحلة العمرية من سن ( 10حتى 15) عاما، فإنه يعد سلوكا مرضيا ومشكلة نفسية تحتاج الى معرفة أسبابها وضرورة علاجها.. في هذا التحقيق نسعى الى التعرف على اللصوص الصغار ودوافعهم للسرقة (اقتصادية، اجتماعية، نفسية) من خلال عرض جملة من مواقف هؤلاء اللصوص الى جانب وجهات نظر متعددة لأصحاب المحلات التجارية المستهدفين من السرقة وفي الجزء الثاني من التحقيق نتحدث إلى عدد من المختصين في مجال الاجتماع والنفس وعلم الجريمة لتسليط الضوء عن هذه الظاهرة وأسبابها وتقديم الحلول للتقليل منها. الفزعة ضيعت خالد توقف خالد على أيمن الطريق السريع الذي يربط الرياض بمنطقة مكةالمكرمة بعد ان لاحظ عائلة تقف بجوار سيارتها التي توحي لمن يراها انها معطلة، وقبل ان يترجل من السيارة اقبل اليه شاب لم يتجاوز الثامنة عشرة من عمره وبادره الشاب "معليش اخوي سيارتنا تعطلت ومعنا اختي مريضة ممكن توصلنا اقرب مركز صحي او مستشفى". وبحكم الموقف وطبيعة اهل هذه البلاد المباركة في عمل الخير وفزعة المحتاج وافق خالد بسرعة وظهر شاب آخر خلف السيارة المعطلة وقال مخاطبا اخاه "هاه بشر انزل اختي" وتراجع خالد حياءً ليتسنى للعائلة الركوب باختهم المريضة، وبعد ان اصبحت العائلة في سيارة خالد قال الشاب الثاني الذي يصغر الاول لماذا لا تبقون هنا وانا اروح المستشفى وتصلحون السيارة وتلحقونا، برز خالد الذي جاوز الثلاثين وتشبع من النخوة والشهامة وحسن الظن وبسرعة قال توكل على الله واخذ سيارة خالد. نهاية القصة باختصار ان العائلة "عصابة" فقد تحايل الشاب الذي بقي مع خالد واشار الى مكان صغير معد لصلاة العابرين وبجواره حمام وقال "انا رايح الحمام وراجع" طبعا لم يرجع..! لصوص على الماشي أما محسن فكان يمشي في أحد شوارع ارقى الاحياء وهو يتحدث بجواله ومرت دراجة نارية فخطف الشاب الذي يردفه قائد الدراجة جهاز الجوال من محسن ولم يستطع أن يفعل شيئاً بسبب الدهشة وسرعة الدراجة، ولم يكن ابوفيّ احسن حظا ممن سبقه، حيث قال "الحمد لله انني سلمت" فقد اوقفه اربعة شباب مراهقين وضربوه وسرقوا محفظة نقوده وجواله وهربوا، اما خالد عبدالله فقد تلقى صفعة على خده وهو سائر في أحد الشوارع افقدته السيطرة ليختطف منه لصوص صغار جواله قبل ان يفيق من الدهشة. جولة "الرياض" جولتنا التي لم تقف عند المحلات التجارية وحراج الخردة، بل شملت ايضا الصيدليات والمساجد ومكائن الصرف الآلي، ووجدنا في كل مكان حادثة سرقة وبطولة سارق، مما يعني اننا قد نكون امام ظاهرة خطيرة وقضية كبيرة يجب ان يتنبه لها المجتمع بمؤسساته وافراده ويقيم لها الندوات واللقاءات وحملات التوعية ويرصد لها المبالغ التي تكفي لاجراء الأبحاث وتفعيل القرارات. "الرياض" تطرح القضية للنقاش فاللصوص الصغار عصابات لم تعد ضربا من الخيال، بل حقيقة يجب أن نسلم بها ونقف عندها، لم يسمع بها احد. مرض أم حاجة؟ ونعود لقصص اللصوص الصغار ولكن هذه المرة يرويها لنا أصحاب المحلات التجارية، بهدف اكبر عدد من الطرق والوسائل التي يمارسها المراهقون، فهذا صيدلي يقول ان السرقة التي تحدث وتتعرض لها الصيدلية تؤكد على انتشارها كمرض، لأن الذين تم ضبطهم في الغالب يسرقون اشياء اسعارها زهيدة بعد ان يدفعون ثمن اغراض اخرى بمئات الريالات، وقال: إن السرقات تكون للاشياء المعروضة والتي تكون ايضا قريبة من باب الصيدلية. قيمة المسروقات تؤثر على الجدوى الاقتصادية أما اصحاب محلات الملابس والمواد المنوعة والمخفضة و"كل شيء بريالين" فحدث ولا حرج، يقول أحد أصحاب تلك المحلات: يمتاز محلنا بانه كبير ويبيع اشياء منوعة تخص النساء والرجال والأطفال واغراض البيت وبالتالي زبائننا من جميع الشرائح، ونعاني كثيرا من السرقات التي ربما نخسر بسببها نحو (1000) ريال يوميا، وللأسف الفتيات والنساء هن من يسرقن ولا نستطيع ان نوقف اي واحدة او نبلغ عنها. ويشير (محمد الحزمي) في حديثه إلى ضعف تواجد الدوريات الأمنية رغم أن محله على شارع رئيسي وحيوي جدا، ويقول من الصعب أن تتواجد الدوريات في الوقت الذي نريد ولا نقول اكثر من "حسبنا الله ونعم الوكيل" ولكم ان تتخيلوا ان دراسة الجدوى لمشروعاتنا التجارية أصبحت تدخل في الاعتبار ان جزءاً ليس باليسير من بضاعتها سيسرق ولن يعوضك أحد. ويقترح الحزمي على مؤسسات التربية والتعليم ان تدرس الظاهرة وتضع الحلول لحصانة الصغار خاصة ممن هم في المرحلتين المتوسطة والثانوية. أما "جاشان" عامل البقالة الآسيوي الذي تعرض للضرب مرات ومرات حتى أصبح مستضعفاً من اللصوص الذين يكررون جرائمهم، حتى قرر صاحب المحل الاستعانة بعلاء الفتى المصري "الصعيدي" الذي يخشاه الكبار قبل الصغار وتغير حال المحل بعد ذلك إلاّ ان السرقة لم تنقطع. "جاشان" يروي لنا قصصاً أبطالها الصغار ممن تتفاوت أعمارهم من 13- 18سنة يمارسون السرقة بخطط لا تتعدى اشغال البائع ثم تنفيذ الجريمة مسروقاتهم خفيفة لا تتجاوز قيمتها - بعد ارتفاع الأسعار - مائتي ريال، ويكشف لنا أيضاً عن أنامل ناعمة تسرق بدون حياء ويؤكد أنهن صغيرات في السن مع عدم قدرته على التحديد الدقيق لذلك. سألت "جاشان" ماذا تسرق الأيدي الناعمة! فأجاب مجلات وعصائر وما يقع النظر وتطاله الأيدي، وعندما تكتشف ذلك كيف تتصرف؟ "جاشان" لا أستطيع ان أفعل شيئاً لأنها امرأة! ويروي لنا جاشان آخر سرقة تعرض لها المحل والتي سبقت دخولنا عليه بدقائق وبطلها طفل في حدود 13سنة وحيلته انه مصاب بقدمه ولا يستطيع الوصول إلى الثلاجة ويحتاج إلى لبن وبمجرد ان وصل جاشان للثلاجة انتزع الصبي كرتي قدم معلقتين عند باب المحل من الداخل ولاذ بالفرار ويقول جاره بائع الخضار ان صغاراً يجتمعون كعصابة ليقطعوا الطريق على عامل المحل الذي يوصل الطلبات للمنازل ويضربونه ويسرقون ما لديه. مراهق يحمل مسدساً وسكيناً أما محمد رفيق الذي يعمل محاسباً في محل تجاري كبير فقال: الجميع يسرق وليس الصغار أو المراهقين بل حتى الفتيات وأكثر ما يسرقون النقود وقد تعرضنا لثلاث سرقات كلها تحت تهديد السلاح (سكاكين ومسدسات) قام بها شباب صغار وبلغ مجموع ما سرق تسعة آلاف ريال عدا السرقات التي تتم حتى من صغار لم يصلوا العاشرة. المساجد لم تسلم من اللصوص أحد أئمة المساجد قال لنا ان أكثر من ثلاثة شباب صغار سرقوا ميكروفونات الجامع وأكد أنها ليست المرة الأولى، حيث تباع لوافدين بثمن بخس وهو ما حكاه أكثر من إمام وخطيب. مسؤول أمن: البلاغات مستمرة إلى ذلك، أكد لنا رئيس قسم شرطة في حي يعتبر ذا كثافة سكانية عالية جداً، ان القسم يستقبل في اليوم الواحد حوالي عشرة بلاغات عن سرقات إلاّ أنها غالباً من أجانب ولا يتابعها أصحابها، موضحاً ان المبلّغ عنهم لا تتجاوز أعمارهم السابعة عشرة وجرائمهم في السرقة متنوعة ما بين سرقة الجوالات والمبالغ المالية التي قد لا تصل إلى الألف ريال. وأشار إلى وجود خلل جعل (المبلّغ) في الشارع لا يهتم بالابلاغ عن اللصوص وهو ان الدوريات التي تجوب الشوارع تطلب المبلّغ التوجه إلى قسم الشرطة للابلاغ عن السرقة إضافة إلى عدم وجود رادع قوي للصوص الصغار داعياً إلى تكثيف الدوريات الأمنية خاصة في الأحياء الشعبية. أب يعترف وآخر غافل أبو عبدالرزاق بلغة مستهجنة يقول: أنا لا أتصور ان ابني يسرق ليشتري جوالاً أو أقل من ذلك أو أكثر، لكن وللأسف قد يكون انشغالي عنه هو الذي منحه الفرصة ليكون سارقاً مضيفاً، لن أنسى اليوم الذي اتصلت بي الشرطة ليقولون تعال ابنك محجوز لدينا! لماذا؟ ابنك سارق. وقال ان رفاق السوء هم سبب وقوع ابنه في السرقة ولكنه لا ينكر انه من أسباب وقوع ولده برفقة السوء اهماله له وعدم الاستماع لشكواه والاستجابة لطلباته. أما والد سعد فيقول عنه جيرانه إنه مهمل لأولاده تماماً ويجري الليل والنهار ليوفر لهم فقط لقمة العيش أما "أولاده السبعة" فقد كونوا عصابة سطو عرفها الحي الذي يقطنونه بل والأحياء من حولهم، الاخوان السبعة أصغرهم في العاشرة من عمره وأكبرهم شارف على العشرين. يقول ثلاثة من جيران هذه العائلة ان هؤلاء "الحرامية" كما عبروا بذلك لا يسلم منهم أحد من حيث كثرة المشاكل والاعتداء وأبرز ما اشتهروا به السرقة وحسب إفادة الجيران أصبح السبعة معروفين في قسم الشرطة وخصومهم أصبحوا يتحاشونهم بل يقدمون لهم القرابين خوفاً منهم!! الوعي والتوبة وفي صورة مماثلة استطاع وعي عدد من سكان حي الهزاعية في شرق الرياض اصلاح أربعة اخوان وهدايتهم للطريق المستقيم بالموعظة الحسنة والتفاعل الصادق مع أصل مشكلتهم حتى أصبحوا مدرسة أخلاق بعد ان كان الجميع يضعهم في دائرة الاتهام عندما يسرق منهم شيء. لماذا لا تقطع يد السارق؟ عدد من الآباء والأبناء كان لهم رأي آخر حول تفشي السرقة، حيث ارجعوا ذلك إلى مفهوم "من أمن العقوبة أساء الأدب" فهذا المواطن زيد السماعيل يجزم بأن هناك سبباً يجب الا يغفل عند الحديث عن هذه الظاهرة ومعالجتها، ويقول: لم نعد نسمع أو نقرأ في السنين الأخيرة عن قطع يد السارق مما جعل البعض يستهين بفعلها والآخر لا يعتبرها جريمة عندما يكتشف ان ولده سارق ولا يتجاوز انكاره شد إذن ولده! ووافق السماعيل (عيد ونادر ومحمد وكذلك أبو سالم) الذين قالوا على الرغم من كثرة ما نسمع ونشاهد بل ونتعرض للسرقة من لصوص صغار مما يدل على وجود أمثالهم من الكبار إلاّ وأنه لم يعد لقطع اليد وجود فإما ان اخبارها لا تنشر وهذا إجراء غير سليم، أو ان القضاء له وجهة نظر أخرى في الحكم على السارق! وطالب عدد من المواطنين بتحرك الجهات المعنية لحل هذه الظاهرة التي باتت تقلق منامهم وتعكر صفو حياتهم مشيرين إلى ان القضاء في المملكة يتمتع باستقلالية كاملة في إصدار الأحكام وهو مطالب بتطبيق حد السرقة لكل من يثبت سرقته كما قال عليه الصلاة والسلام "والله لو ان فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها..". اثبات الرجولة! أحمد العنزي وماجد السبيعي ومحمد صالح يتحدثون عن أقرانهم الذين يمارسون السرقة بدون حياء ولا خجل، ويقولون: جميع من نعرف من الأصدقاء يسرقون بلا حاجة - أي ليسوا فقراء ولا محتاجين ولا مضطرين بل معظمهم تكون أسبابه اثبات أنه رجل! أو سلوك اعتاد عليه ولا يستطيع التخلي عنه، وبسؤالهم لماذا لا تبتعدون عنهم وتعتزلونهم اتفق الأقران على ان ذلك سلوك خاص بهم ولا يؤثر على العلاقة معهم. ما هي المسروقات وأين تذهب؟ أظهر التحقيق ان الصغار من العاشرة وحتى الثالثة عشرة يسرقون مأكولات ومشروبات أما المراهقون فيسرقون النقود وبطاقات الشحن والجوالات إضافة إلى أنابيب الغاز والمكيفات ومسجلات و"استبنة" السيارة. أما المواد الغذائية فيقول بعض الباعة ان هناك صغاراً يترددون عليهم في الصباح الباكر ويبيعونهم المسروقات بحجة انه أخذ قبل ولم يعد يحتاجها أو ان أخاه اشتراها قبله أو أي عذر يقنع به البائع ليعطيه بدلها نقوداً. أما النقود فمصيرها معروف وتبقى الأشياء الأخرى التي يتجه بها اللصوص الصغار أكثر تنظيماً حيث لا يمكن ان تباع أنابيب الغاز والمكيفات والفرش إلاّ بعد ان تسجل عند شيخ الحراج وبسؤال أحد الباعة هناك عن الهدف من ذلك أفادنا بأنه وسيلة لضبط المسروقات عندما يأتي شخص يبحث عن ما فقده.. وطرحنا سؤالاً آخر.. وكيف يعرف ان هذا مكيفه أو تلك أنبوبة منزله أو فرشه المسروق! سكت!! ماذا بعد؟ يظهر من هذا التحقيق ان دوافع الصغار للسرقة لم تعد تقف عند سبب الحاجة والفائقة وسد الجوع، بل تعداه إلى ان يكون عنصراً لاثبات الرجولة والتعبير عن القوة، كما ان فهم بعض الناس للسرقة بل تعاملهم مع السارق اختلف وأصبح السارق "شهماً" أو على الأقل ليس صاحب فعل منكر أو مشين مهين! كما يظهر انتشار السرقة في الأحياء الشعبية والأكثر كثافة سكانية والممتلئة بالعمالة الأجنبية. غداً.. الجزء الثاني في الجزء الثاني تحقيقنا نقف على الأسباب التي أوجدت لصوصاً صغار ونحللها من الجوانب النفسية والاجتماعية والأمنية ونضع العلاج، كما نتناول الجوانب النفسية في ظاهرة السرقة.. ونسمع وجهة نظر مجلس الشورى الأمني والاجتماع حول الظاهرة ونجيب على سؤال مهم.. هل كل من يقوم بهذه الأفعال مضطربون نفسياً.. أم أنهم يرتكبون جرائمهم تحت تأثير ظروف قاهرة تدفعهم إلى ذلك أم ماذا؟