اختلف الفلاسفة والشعراء والمفكرون وعلماء النفس في فهم معنى الحب، والاختلاف بديهي على شيء هو ضرب من "الجنون المكرّس" كما يسميه افلاطون. لا أحد يستطيع ان يقطع على وجه التحديد بالعناصر والمعايير التي يتكوّن منها الحب. والحال ان هذه الكلمة المترامية الأطراف والمعاني تستحوذ على معظم القصائد أو الكلمات التي ينشدها او يؤديها المطربون والمغنون العرب. لكن اللافت، ان الكل يغني الحب، وقلما يتم الاقتراب من المعيش واليومي. تبقى الأغاني العربية الرائجة في غالبيتها مثل الصيحة في عالم شاسع، ربما هي التعبير الاسمي عن "الحرمان الغرامي" الذي يعانيه الشبان العرب، لكن هذا التعبير يسحقه التكرار في جانب منه، كأن اهل الغناء منصاعون للسوق وللشركات، وبالتالي يجلون السائد ويجدون فيه حضورهم، لأن "المغاير" غريب عن النسيج المجتمعي العربي، والمغاير قل ما يكون له الجمهور الذي يجعله حاضراً. قد يكون هذا الكلام مجرد توطئة للدخول في الكلام عن المغني المصري الشبابي عمرو دياب، الذي دأب على غناء الحب، وتقتصر اشرطته الثلاثة الأخيرة على ذلك، يغني عمرو دياب الحب بكثرة وهو - الى ذلك يبقى أكثر المغنين بحثاً عن جديد عصري متميز، وبخاصة لناحية "الفيديو كليب" الذي يصوره لأغانيه. فهو يسخى عليه أو يوفر له الإمكانات المادية والفنية ليكون لائقاً ومتميزاً. عادة ما يتوخى عمرو دياب الإطلالة على الغرب، فنجده يولف الموسيقى الإسبانية مع الأداء الشرقي، وهو في شريطه الجديد "انا اكثر واحد بيحبك" يطلّ على الغرب ايضاً، على الرّاب هذه المرة، فيسجل اغنية "ولا على باله" في نسختين الأولى تقدم ايقاعاً يخاطب ايقاعات الرقص العربية، الى جانب مقطع راب باللغة الإنكليزية يقدمه مغني الراب ساندمان. وفي النسخة الثانية التي حملت عنواناً فرعياً "شرقي" وتغلب عليها الطبلة والرق والقانون ويغيب عنها مقطع الراب، وهذا هو مدار النقاش. عمرو دياب "نجم الشبان والفتيان، وهو الأكثر رواجاً بينهم والأكثر رغبة في محاولة طرح الجديد على الساحة الغنائية، بخاصة لناحية الفيديو كليب لكنه في كلمات اغانيه لا يطرح المعاني الجديدة، وهذه محنة عامة تصيب الغناء العربي الشبابي، والحال ان عمرو دياب في كلمات اغانيه البسيطة يبقى في دائرة الكلام المستنفد كأن لغة الغرام، لغة العشق والوله والبوح، قد اصابها النضوب، منذ عقود من كثرة ما استعملها الشعراء في قصائدهم وأشعارهم وليس هناك من اتجاه في الغناء ليكون معبراً عن انماط الحياة اليومية أو نقل احوالها وتعبيراتها بالمعنى الشامل، ربما زياد الرحباني ينفرد في تلحين كلمات تكسر السائد وتنقل واقع حال من لحم ودم، بعيداً عن النمطية الغرامية. لنقل ان عمرو دياب يستعمل الراب في اغنية من اغانيه، لكنه لا يستفيد من معايير هذا النمط من الغناء، خصوصاً لناحية الكلام. ذلك ان الراب حيوية عجيبة على المسرح. وهذا استفاد منه عمرو دياب في فيديو كليبه، مع قلة الإفادة من ناحية النص، فالراب يتألف من موسيقى ايقاعها متكرر وعنيف، تخلف اجواء التوتر، ولكنها تبدو ثانوية بالنسبة الى النص، الكلمات، أو مجرد خلفية. وعلى هذا فالراب اوجد لغته الخاصة، تعابيره الخاصة والهجينة، أو بالأحرى اعاد الاعتبار للكلام. ولكن عمرو دياب بعيد عن كل هذا، فهو يستعمل الراب "لصقة" جميلة أو نوع من موضة جديدة، من دون ان يستفيد من بنية الراب اي "النص". والحق ان عمرو دياب يبدو رومنسياً، الى حد ما، يذكرنا برومانسية عبدالحليم حافظ مع فارق شاسع في الزمان، فعبدالحليم حين بدأ يغني كان غناؤه نوعاً من ثورة في الغناء كان مثال المراهقين وأيقونتهم، أو هو تمرد على الغناء التقليدي بحيثياته. المراهقون والفتيان كانوا الجمهور الأول لغناء عبدالحليم حافظ حدث هذا الوقت الذي كان الغناء ينتقل من البلوز المتحسر الحزين الى الروك المتحرر الغاضب، كانت الثورة الموسيقية الغنائية تجد عنوانها في عبدالحليم حافظ، عمرو دياب سبق وصرح مراراً بأنه يحب العندليب الأسمر، أو هو من مدرسته، من مناخاته، فعمرو يغني الحب لشبان وفتيات يجدون في اغانيه الصيحة التي تعبر عن ذواتهم، الصيحة التي من خلالها يكتشفون الصحراء المقيمة في ثناياهم، أو كونهم محكومون بالتصحر. عمرو دياب "ستار" وصوته يلعلع في السيارات الشبابية وفي المرابع الليلية، كونه يعبر عن العلاقات الغرامية في جميع احوالها، لكن في اشرطته غالباً ما يكون الحضور والانتشار لأغان دون سواها، من السابق ما زلنا نذكر "متخافيش" و"العليم" و"حبيبي يا نور العين" و"تملي معاك" ومن الشريط الجديد، اكثر ما نسمع "ولا على باله" و"أكثر واحد بيحبك".