أعلن الفنان البربري فرحات مهنى أمس، تأسيس "الحركة من أجل الحكم الذاتي لمنطقة القبائل" الماك والتي ستتولى "تنظيم مسار إجراء استفتاء الحكم الذاتي" في هذه المنطقة التي تشهد منذ أشهر حال من العصيان المدني غير المعلن، والتي أدت إلى مقتل 80 شخصاً وإصابة نحو 3500 آخرين بجروح. وقال مهنى امام تجمع نظمه في منطقة الأربعاء التابعة لولاية تيزي وزو 100 كلم شرق العاصمة: "حرصاً منا على تجنب إراقة مزيد من الدماء في هذه المنطقة، قررنا الدعوة إلى حكم ذاتي"، وشدد على تمسكه بالجزائر "لكن ضمن منظومة جديدة للحكم من شأنها أن تعزز الأخوة بيننا". وجاء الإعلان عن هذه الحركة في وقت تكثفت أعمال العنف منذ مطلع الأسبوع في العاصمة لتثير الكثير من التساؤلات عن خلفية هذه العمليات وصلتها بسلسلة البلاغات الكاذبة عن وجود قنابل. واثارت تلك البلاغات موجة ذعر كبيرة وسط سكان العاصمة الذين باتوا يخشون العودة إلى سنوات الرعب التي شهدته بين 1993 و1996 والتي أدت إلى مقتل اكثر من ألفي شخص استناداً الى تقديرات غير رسمية. ولاحظ مصدر أمني تحدث إلى "الحياة" تغيراً كبيراً في أسلوب إدارة أعمال العنف خلال التصعيد الأخير للاعتداءات المسلحة في العاصمة، فغالبية القنابل التي توضع يتم التبليغ عنها سلفا من مجهولين، وهو أسلوب جديد لم يكن من تقاليد الجماعات الإسلامية المسلحة. علما أن هوية الجماعة، التي تنفذ هذه الاعتداءات، ما زالت مجهولة حتى الآن. كما تبين أن غالبية القنابل التي توضع في الأسواق أو في بعض الأماكن قرب مبنى التلفزيون الجزائري أو البريد المركزي، كانت عبوات غير متفجرة مصنوعة من عجين الدقيق وساعات قديمة وتشبه في صناعتها القنابل الحقيقية. وكذلك تأكد ان السيارات المشبوهة التي يتم التبليغ عنها، كانت تسرق خلال النهار وتوضع في أماكن مشبوهة وفي داخلها أكياس سوداء فارغة مما يستدعي في الكثير من الأحيان تدخل فرق تفكيك القنابل التي تلجأ بأسلوب عملها إلى إبعاد السكان والفضوليين. وأحدث تزامن التصعيد في أعمال العنف مع دعوة عدد من الجنرالات المتقاعدين قيادة المؤسسة العسكرية والاستخبارات إلى وضع حد لصمتهم إزاء سياسة المصالحة الوطنية التي يدعو اليها الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة. ويعتقد فريق من المراقبين بأن هذا التزامن يهدف الى دفع الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة إلى التخلي عن سياسة المصالحة الوطنية وتبني، على غرار من سبقه إلى الحكم، سياسة المواجهة الأمنية مع الجماعات المسلحة. ويستند هؤلاء الى مؤشرات تدفع إلى مثل هذا الاعتقاد أبرزها الخروج المنظم لأربعة جنرالات سابقين في الجيش، وهم اللواء خالد نزار والجنرال تاغيت والجنرال عبدالحميد جوادي والجنرال رشيد بن يلس للتحذير من "مخاطر سياسة المصالحة الوطنية". وتعد دعوة رئيس الحكومة السيد علي بن فليس المسؤولين في الدولة إلى ضرورة دمج عمليات مكافحة الإرهاب، ضمن أولويات الخطاب الرسمي، خلال لقاء الجامعة الصيفية لمسؤولي جبهة التحرير الوطني حزب الرئيس، قبل أسبوع، ضمن المحاولات المحدودة التي تتم داخل الحكم لامتصاص الضغوط من بعض متقاعدين الجيش والأحزاب الديموقراطية واليسارية المعارضة للمصالحة مع جبهة الإنقاذ المحظورة. وتأتي الرواية الأمنية لتحاول التأكيد أن تصاعد أعمال العنف "كان ضمن التوقعات لأن الجماعات الإرهابية أخذت وقتاً كافياً لإعادة تنظيم نفسها". وأوضح مصدر قريب الى الأجهزة الأمنية ل "الحياة" أن تصاعد أعمال العنف "نتيجة منطقية لتوافر أربعة عوامل أساسية هي، اعتقاد الجماعات الإرهابية بأن الفرصة مناسبة لتكثيف عملياتها ضد الدولة، خصوصاً بعد الإرهاق الشديد الذي لحق بقوات الأمن بسبب حال العصيان المدني التي تمارسها العروش البربرية"، منذ نهاية نيسان ابريل الماضي. وفي هذا الإطار يعتقد المصدر بأن عناصر الجماعات المسلحة "تمكنت من التسلل إلى العاصمة بعدما ألغت قوات الأمن كل حواجز المراقبة"، التي وضعت حول العاصمة لتسهيل مسيرة العروش البربرية، التي نُظمت في 14 حزيران يونيو الماضي وانتهت بمواجهات حادة وجرى خلالها عمليات حرق وتخريب عدد كبير من المنشآت الخاصة والحكومية. أما العامل الثالث فيتعلق بحال "تلاشي التجنيد واليقظة بين المواطنين والمسؤولين المحليين" بعدما تخلى الكثير من المسؤولين المحليين عن العقود التي تربطهم بأعوان الأمن من الشباب. العامل الرابع والأساسي يتعلق بتوجه "الجماعات الإرهابية إلى تكثيف أعمالها لضمان مكانتها كقوة أساسية والذي هو من صلب أهدافها"، خصوصاً بعد النجاح الموقت الذي حققته العروش البربرية في إبعاد سلطة الحكومة عن منطقة القبائل. ولاحظ المصدر أن تصاعد أعمال العنف "كان بدأ قبل أسابيع في مناطق الغرب وليس هناك ما يمنع الإرهابيين من التنقل إلى العاصمة، خصوصاً إذا غاب التجنيد وقل الاهتمام بما يحدث في بقية المناطق".