ترددت امس معلومات عن إحالة رئيس "الحزب الشيوعي - المكتب السياسي" رياض الترك الى القضاء بتهمة "التشكيك بشرعية الرئاسة" بالتزامن مع تحريك عدد من المحامين "دعوى حق عام" ضد الصحافي نزار نيوف بتهمة "اثارة النعرات الطائفية"، بما يؤدي الى صدور احكام بالسجن لمدة تصل الى خمس سنوات. في غضون ذلك، انكب امس عدد من المعارضين المتخصصين على قراءة الدستور السوري الذي يعود الى العام 1972 وفصل "الجرائم الواقعة على امن الدولة" في قانون العقوبات المستند الى القانون الفرنسي، ذلك ان الرسالة الاساسية التي بعثتها السلطات السورية الى "المعارضين" عبر توقيف النائب الدمشقي محمد مأمون الحمصي قبل نحو شهر واعادة اعتقال الترك يوم اول من امس، هي ان السلطات ستحاسب جميع النشطاء والمنتقدين على اساس القانون والدستور. واللافت ان عدداً من اعضاء "لجان احياء المجتمع المدني" والناشطين في المجال السياسي والذين القوا محاضرات علنية خلال السنة الاخيرة، لم يكن مطلعاً تماماً على قانون العقوبات ومواد الدستور. فارتكب هؤلاء، حسب قناعة جهات رسمية "جرائم قانونية سيُحاسبون عليها امام القضاء العادي وليس محكمة امن الدولة العليا وبينها التشهير بالدستور ومعاداة النظام". وقالت مصادر مطلعة ل"الحياة": "ظن البعض ان الحرية تعني الحديث عن اي شيء ومن دون ضوابط قانونية"، مشيرة الى ان الرئيس بشار الاسد اكد "قبول الرأي الآخر، لكنه شدد على دولة القانون والمؤسسات في الوقت نفسه". وجاء اعتقال الترك خلال قضائه اجازة على الساحل السوري، بعد نحو شهر على القائه محاضرة في "منتدى جمال الاتاسي للحوار الديموقراطي" عن مستقبل الديموقراطية في سورية. وتحدثت المصادر عن "احالته الى القضاء بتهمة التشكيك بشرعية رئيس الجمهورية وقدح مقام الرئاسة وذمه"، التي تؤدي الى صدور حكم بالسجن لمدة تصل الى ثلاث سنوات، علماً ان الترك 71 سنة اطلق في منتصف العام 1998 بعد اكثر من 17 سنة قضاها في السجن. ولم تعلق اي جهة رسمية حتى مساء امس على موضوع الترك، لكن المعلومات المتوافرة تفيد بأن السلطات استندت بتحريكها القضية الى انتقاداته في محاضرته الاخيرة للسلطات ووصفه "النظام بالهجين بين النظامين الجمهوري والملكي" وحديثه عن "استبداد وديكتاتورية" في سورية، علماً ان الرئيس بشار اعتبر تناول "نهج الاسد خطّاً احمر ومن الثوابت الوطنية ولن يسمح لأحد بانتقاده". في غضون ذلك، ظهر عدد كثير من بيانات ورسائل التضامن مع رئيس "الحزب الشيوعي - المكتب السياسي" حيث طالبت "لجان الدفاع عن حقوق الانسان" و"منتدى الاتاسي" و"اللجنة العربية لحقوق الانسان" و"الجمعية السورية لحقوق الانسان" وعدد من المثقفين ب"الافراج فوراً عن المناضل الكبير" و"وضع حد للتعسف الذي تمارسه بعض الاجهزة الامنية". واعتبر المحامي أكثم نعيسة اعادة اعتقال الترك "احباطاً حقيقياً لدى تيار الأمل والتغيير الذي نشط اثر طروحات الرئيس الاسد سواء في خطاب القسم أم في لقاءاته المتعددة، ودعماً للموقف المعادي للتغيير والاصلاح". واشار رئيس "جمعية حقوق الانسان" المحامي هيثم المالح الى ان ما حصل "ارتداد عن الطروحات الاصلاحية". لكن مصادر رسمية ابلغت "الحياة" ان "مشروع الاصلاح مستمر حسب اولويات وضعها الرئيس الاسد، تقوم على استعجال الاصلاحات التعليمية والاقتصادية ذات الاجل الطويل في النتائج الايجابية والتمهل بخطوات الاصلاح السياسي والبدء بفتح آفاق الحوار والنقاش حول افضل طرق تناسب الخصوصية السورية". وكان الترك اكد في اول محاضرة علنية له ألقاها في الخامس من الشهر الماضي على "دعمنا للاصلاح او اي خطوة اصلاحية"، ودعا "اهل الاصلاح الى دعم انفسهم ما دام خصومه قادرين وحدهم على تنظيم صفوفهم وافشال اي خطوة الى امام"، خاتماً: "ان التغيير قادم لا محالة، ولن يرحم التاريخ من يقف في طريقه او يتردد في سلوك دربه". وتعرض الترك وقتذاك الى انتقادات بسبب عدم اعتراضه على العمليات التي نفذتها عناصر "الاخوان المسلمين" في بداية الثمانينات، حيث يعتبر مسؤولون ذلك "نقطة سوداء في تاريخه السياسي"، لكن رئيس "الحزب الشيوعي - المكتب السياسي" يشير الى ان التحقيقات معه لم تتعرض ابداً الى موضوع "الاخوان". وتزامنت اعادة توقيف الترك مع تحريك محامين مستقلين "دعوى حق عام" ضد الصحافي السوري نزار نيوف الذي اطلق في ايار مايو الماضي بعد قضائه تسع سنوات في السجن. وقال احد اشقاء نيوف ل"الحياة" ان عناصر من الشرطة المدنية سلمته اول من امس دعوى محركة ضد شقيقه نزار لحضور جلسة قضائية امام قاضي التحقيق الاول بتهم تتعلق ب"محاولة تغيير الدستور، بث اخبار تضر بالاقتصاد الوطني، مقاومة سلبية لعمل مشروع، اثارة النعرات الطائفية والمذهبية". واشار المحامي انور البني الى ان العقوبات في هذه التهم تراوح بين ستة اشهر وخمس سنوات. وأدى ذلك الى ارجاء الصحافي نيوف 40 سنة عودته من اوروبا الى دمشق الى موعد آخر بعدما كانت مقررة غداً الثلثاء. وكان مقرراً صدور بيان لعدد من المثقفين خلال انعقاد جلسة جديدة ل"منتدى الاتاسي" مساء امس يتحدث فيها الدكتور عارف دليلة عن الاصلاح الاقتصادي، علماً ان هذا المنتدى مستمر في عمله بسبب سياسة "غض الطرف" التي تمارسها السلطات. وقال النائب المستقل رياض سيف ل"الحياة" انه سيستأنف نشاطات منتداه بمحاضرة يتحدث فيها الدكتور برهان غليون عن آفاق التغيير في البلاد، وذلك في اول محاضرة منذ اغلاق المنتديات في شباط فبراير الماضي. واكد سيف عزمه على عقد الجلسة على رغم ما حصل للترك ونيوف، وان عدداً كبيراً من المثقفين سيأتي من المحافظات الاخرى لحضور المناقشات. وقال: "من الناحية القانونية يحق لي كنائب الاتصال بالجماهير واجراء حوارات معهم" في ضوء تردد معلومات عن احتمال ملاحقته لأسباب سياسية او مالية بسبب استئنافه نشاط المنتدى استناداً الى تهم "الدعوة الى تغيير الدستور بالقوة" و"اثارة نعرات طائفية ومذهبية" و"تشكيل حزب بعيداً عن اي مرجعية قانونية". "الاخوان" يستنكرون وفي عمان، أ ف ب تلقت وكالة "فرانس برس" بياناً بالفاكس اصدرته جماعة الاخوان المسلمين السورية. وقال علي صدر الدين البيانوني المراقب العام للجماعة في بيانه ان جماعة الاخوان "تستنكر اشد الاستنكار اقدام الاجهزة الامنية على اعادة اعتقال المناضل المحامي الاستاذ رياض الترك ... خارج اطار احكام القانون وبشكل يتعارض مع ابسط حقوق الانسان". ورأى البيانوني ان القبض على الترك بسبب "مواقفه الوطنية وجرأته في الدفاع عن الحريات" يعتبر "انتكاسة خطيرة وتبديداً لكل الآمال والوعود التي يترقبها شعبنا منذ أمد بعيد" نحو مزيد من الحريات. واضاف ان "جماعة الاخوان المسلمين التي تؤكد مطالبتها باغلاق ملف الاعتقال السياسي والافراج عن جميع المعتقلين السياسيين وكشف مصير المفقودين والسماح بعودة المهجرين والغاء جميع القوانين القمعية الاستثنائية، تطالب بالافراج الفوري عن رياض الترك ووقف ملاحقة ابناء الوطن بسبب انتماءاتهم السياسية". وكان المحامي حسن عبدالعظيم، الناطق باسم "التجمع الوطني الديموقراطي" وهو تحالف لاحزاب المعارضة السورية، اكد امس ل"فرانس برس" ان السلطات السورية اوقفت بعد ظهر السبت في طرطوس على الساحل السوري رياض الترك عندما كان لدى الطبيب. واعتبر عبدالعظيم ان تصريحات الترك قبل اسبوعين لفضائية "الجزيرة" القطرية قد تكون وراء اعتقاله. وكان الترك انتقد في تصريحاته بشدة الرئيس السوري الراحل حافظ الاسد.