تميزت السنة الاولى لحكم الرئيس بشار الاسد ب"تصدع جدار الخوف" لدى الرأي العام السوري والسعي الى تقديم "صورة جديدة" لسورية لدى الرأي العام الدولي. وتقوم هذه "الصورة" على اساس الحفاظ على "المبادئ" التي وضعها والده الراحل حافظ الاسد خلال ثلاثين سنة من حكمه مع اجراء اصلاحات اقتصادية تساعد سورية على التكيف مع المتغيرات الدولية وتساهم في "استمرارية النظام السوري". ويقول مسؤول سوري ل"الحياة": "لو ان الرئيس الراحل بدأ حكمه الآن لقام بذات الاجراءات التي يقوم بها نجله"، اذ اطلق الدكتور بشار 36 سنة رؤيته لسورية في خطاب القسم الذي القاه في مثل هذا اليوم من العام الماضي بالتركيز على "قبول الرأي الآخر" وعدم امكانية التطور بالاعتماد على "شريحة واحدة من المجتمع". وكان هذا "النداء" بمثابة الحافز للنشطاء السياسيين للعمل والتعبير عن آرائهم فصدر "بيان ال99" في ايلول سبتمبر الماضي بدعوة المثقفين الى رفع حالة الطوارئ المعلنة منذ العام 1963 والسماح بحرية التعبير والديموقراطية والعفو عن المعتقلين السياسيين والمنفيين الطوعيين. وكانت هذه المطالب العناوين العريضة التي تكررت لاحقا مرات عدة في بيانات مختلفة بينها "بيان الالف" وبيانات "لجان الدفاع عن حقوق الانسان"، وفي المحاضرات التي القيت في المنتديات السياسية والثقافية التي ظهرت في البلاد ليصل عددها الكلي الى نحو سبعين منتدى بينها 21 منتدى اساسيا. ونتيجة لعدم الخبرة ولطبيعة المطالب التي قدمت وبينها "الغاء" دور حزب "البعث" الحاكم منذ العام 1963 وانضمام الاكراد الى الحوار الديموقراطي - العلني، وتناول المثقفين اسماء مسؤولين كبار ومصالحهم، ظهر "اجماع موقت" بين المحافظين والاصلاحيين على ضرورة "ضبط" هذه النشاطات ووضعها في اطار السيطرة كي لا تنال من الاستقرار الكلي للنظام. وبعدما منعت السلطات الامنية جميع المنتديات استثنت رسميا اثنين احدهما اسلامي باسم "مركز الدراسات الاسلامية" يديره الدكتور محمد الحبش، وثانيهما للنائبة "البعثية" سهير الريس، مع غض الطرف عن "منتدى جمال الاتاسي للحوار الديموقراطي" من دون اعطائه رخصه رسمية مكتوبة. ويبدو مفهوماً ترخيص منتدى النائبة الريس، لكن ترخيص الامن السياسي لمنتدى الدكتور حبش استهدف تشجيع الخطاب الاسلامي المعتدل المناقض لخطاب "الاخوان المسلمين". كما ان السلطات ارادت باعطاء الضوء الاخضر ل"منتدى الاتاسي" ترك الباب مفتوحا للحوار مع احد احزاب "التجمع الوطني الديموقراطي" المعارض الذي تأسس في العام 1979 بعدما خرج "حزب الاتحاد الاشتراكي" بزعامة الراحل جمال الاتاسي في العام 1972 من الائتلاف السياسي الرسمي المشكل باسم "الجبهة الوطنية التقدمية" من الاحزاب الرسمية المرخصة والداعمة ل"البعث"، خصوصاً وان "الاتحاد الاشتراكي" الداعم للمنتدى يقدم خطاباً سياسياً قومياً ومتشدداً في شأن مفاوضات السلام والتسوية السلمية مع "العدو الصهيوني". وبين منع جميع المنتديات واستثناء هذه الثلاثة كانت "الرسالة" واضحة وهي: ان الظروف لم تسمح بعد بتشكيل قوى سياسية موازية في المجتمع السوري، وكان ذلك احد اسباب منع نزول المنتديات والنشطاء الى الشارع والحصول على دعمه وتشكيل قوى سياسية. واظهر "انضباط" المثقفين والنشطاء ان النظام لا يزال القوة الوحيدة القادرة على التغيير والمسيطرة على الوضع السياسي. وتمثلت هذه "القوة" في السيطرة على تدفق نهر التغيير وتوقيته، اذ بعدما منعت لجان عدة مختصة بحقوق الانسان "سمح" للمحامي اكثم نعيسة بتشكيل "لجان الدفاع عن حقوق الانسان في سورية" التي اصدرت تقريرها السنوي الاول داخل البلاد حاول بعدها عدد من المحامين والنائب رياض سيف تشكيل "جمعية مستقلة" لهذا الغرض في اطار سعي النشطاء الى جس النبض وتحدي جدار الخوف الذي عبر عنه زعيم "الحزب الشيوعي - المكتب السياسي" رياض الترك. واعطى خروج الصحافي نزار نيوف 40 سنة في 6 ايار مايو الماضي بتوجيه من الدكتور بشار جرعة اضافية ل"تصدع جدار الخوف" بين السوريين، اذ انه للمرة الاولى هناك شخص سوري يسمي الاشياء بمسمياتها من دون تشبيه ومناورة. ورغم حديثه عن تجاربه الخاصة وابتعاده عن الشأن العام، فإن مضمون خطابه كان ذا اثر عام خصوصاً لدى الصحافيين الذين كانوا ينقلون ما يقول ولدى السوريين الذين كانوا يستمعون الى تصريحاته عبر الفضائيات العربية. ولم يُسجل في العام الماضي اعتقال السلطات لنشطاء واصحاب رأي سوى حالات فردية كان بينها اعتقال مايا معمر باشي لانها ارسلت رسالة الكترونية تدخل الاسد لاطلاقها بعدما كان اطلق في نهاية العام الماضي 600 معتقل سياسي في اطار خطوات رمزية لعل أبرزها اغلاق "سجن المزة العسكري" الذي ارتبط اسمه ب"صورة باهتة" لسورية. وكانت هذه التفاصيل في اطار "الصورة الجديدة" التي يسعى الرئيس الشاب الى تعزيزها في الغرب خلال زياراته الثلاث الى اسبانيا في ايار مايو وفرنسا في حزيران يونيو والمانيا في الشهر الجاري ومن خلال اعطاء اهمية اكبر لدور الاعلام والقيام بحملات "ديبلوماسية عامة" عبر مقابلات صحافية اعطى اكثر من عشر مقابلات وعبر استقبال شخصيات ذات تأثير في الرأي العام العالمي كان أبرزها البابا يوحنا بولس الثاني. وترافق ذلك مع سعي جدي الى اطلاق مشروع اصلاحي للاقتصاد السوري، اذ اصدر الاسد اكثر من مئة مرسوم وقانون تتعلق بتطوير الاقتصاد لعل ابرزها قانون المصارف الخاصة الذي لا يزال ينتظر صدور التعليمات التنفيذية وتأسيس مجلس النقد. هناك من يشكو ان القوانين الكثيرة لم تترجم على أرض الواقع بسبب "مقاومة" شخصيات وآليات محسوبة على "الحرس القديم" و"الجيل الجديد" في اطار الدفاع عن المصالح الشخصية. وكان الاسد بين المنتقدين لذلك، اذ قال: "كان هناك من قام بصدق بدعم عملية التطوير وكما هو الحال في اي منطقة من العالم هناك انتهازيون. دائما الانتهازيون يعرقلون عملية التطوير، يقفون في وجهها"... لكن اللافت ان الاسابيع الاخيرة شهدت تنافساً بين مسؤولين أمنيين وسياسيين و"بعثيين" على تبني خطاب الاصلاح والتطوير والصعود الى القطار الذي وضعه الاسد على السكة في 17 تموز يوليو الماضي.