بعد نهاية العرس المتوسطي، عادت الروح الى الملاعب التونسية لكرة القدم مع بداية موسم 2001 - 2002 لدوري استثنائي يحمل في طياته مفاجآت من العيار الثقيل ومحمل بالاسئلة الحائرة وبأحلام كل الدنيا لتتويجات منتظرة للأندية والمنتخب عربياً وقارياً ودولياً. واذ خيبت مباراة النادي الصفاقسي والملعب التونسي، والتي كانت تعد تقليداً افضل فرصة في الموسم، الآمال المعلقة عليها فإن السؤال المحوري للموسم الجديد في تونس يقول: هل سيواصل الترجي التونسي سيطرته المطلقة ويتوج ببطولته ال17 والخامسة على التوالي، ام ان سيطيح نادي الكبار او احدى الاندية "المجهولة" بهذه السيطرة الترجية التي اضرت بنادي باب سويقة العريق وخلقت دوري بلا روح ولا منافسة ومن دون الجماهير، والأهم من ذلك أسهمت الى حد بعيد في تدني المقدرة التنافسية للأندية التونسية وانعكس ذلك على المنتخب. فقد ابرزت الميدالية الذهبية للشباب التونسي في الالعاب المتوسطية المخزون المهم الذي تتمتع به تونس، وكشفت عن رصيدها الثري من المواهب الكروية من زياد الجزيزي الى اشرف الخلفاوي مروراً بالجوهرة السوداء علي الزيتوني، ولكن هذا الانجاز المستحق لا يخفي استمرار تلك المعادلة التونسية العجيبة في حصد الترجمات المهمة والتتويجات بالذهب والتي تقوم على شيء من الحظ وكثير من الاموال يضاف اليها عزيمة الشباب. فمنتخب تونس كاد يغادر المتوسط وافريقيا ومونديال 2002 من الادوار الاولى، وانتظر طويلاً نتائج المنتخبات الاخرى التي جاءت لمصلحته. فكان الحظ وبعدها وضعت الاموال من اعلى هرم الدولة فأنطلقت عزيمة الشباب الذين بذلوا مجهوداً خارقاً ضمن الذهب المتوسطي والترشح لكأس امم افريقيا والمونديال المقبل والتربع على رأس المنتخبات العربية في ترتيب الاتحاد الدولي لكرة القدم. لكن هذه الانجازات المهمة لم تنس التوانسة هزيمتهم المرة امام المنتخب المغربي ذهاباً وإياباً، ولم يفهم بعد احباء الترجي عجزه لموسمين متتالين في نهائي دوري ابطال افريقيا، ولا هضم الصفاقسية "فضيحة" ناديهم في كأس الأمير فيصل بن فهد للنخبة العربية في دمشق، مما يعيد توهج الاسئلة "الحارقة" التي ترافق الدوري التونسي في موسمه الخامس مع "الاحتراف". ومع ايمان التوانسة بأهمية المرحلة ومخاطر التسرع والارتجال، فإنهم لم يفهموا هذه الصيغة المحلية للدوري التي تأتي في منزلة بين المنزلتين، فالسلطة الرياضية واتحاد الكرة يتحدثان عن دوري اللاهواية في غياب تحديد دقيق للحدود الفاصلة بين الهواية والاحتراف. ومع سعي اتحاد الكرة الى التأقلم مع المحيط الدولي وقوانين الفيفا، فإن هذه الصيغة جاءت لتوسع الفارق بين "مجموعة الكبار" التي تضم الاندية العريقة وهي الترجي والافريقي والصفاقسي والنجم الساحلي وبين البقية المهمشة التي تبيع "ابناءها" لتستمر في محيط ودائرة حفظ البقاء. واذا كان الدعم الرئاسي يتجه لكل الاندية وتتمتع هذه الاخيرة بجوائز حكومية وبالبنية الاساسية الجيدة التي وفرتها لها، فإن رجال الاعمال واصحاب المؤسسات الاقتصادية يوجهون دعمهم المهم والكامل الى الأندية الكبرى. والدليل ان الاربعة الكبار تتجاوز موازنة كل منهم ال5 ملايين دولار، في حين بقية اندية الدوري الممتاز لم تصل بعد لحدود المليون دولار، وتلك المعضلة الحيوية الاولى. واذا كانت اندية الترجي التونسي والافريقي والنجم الساحلي والصفاقسي تمكنت من تأسيس اول خطوات الاحتراف الكامل عبر موازناتها الضخمة فشيدت مجمعات رياضية متكاملة ضمت منشآت حديثة، ووفرت ادارة قادرة، ووضعت قواعد اللعبة بين الرئاسة واللاعبين من حيث جدول الرواتب والمكافآت، فان غياب الاطار القانوني للاحتراف والمؤسسات الاقتصادية الداعمة للأندية دفع هذه الاندية الى "فخ" التداين. واذا كانت معظم الاندية العربية تشكو من ديونها، فإن خصوصية الدوري التونسي تكمن في مفارقة عجيبة بدأت منذ قرابة العقد من الزمن، فالأندية الكبرى اقوى من اتحاد الكرة وقوانينها بل ورغباتها تسيطر على اعضائسسه. ولذا باتت قرارات اتحاد الكرة في ايدي رؤوساء الاندية الكبار مما القى بظلال عدة عن صدقية الاتحاد وشفافية اللعبة في تونس. ولكن السيناريو الممل الذي سأم التوانسة من اعادته لمواسم متتالية هو معرفتهم لهوية البطل وهو الترجي التونسي من الجولات الاولى للمسابقة، وعدم قدرة كل الاندية على هزيمة نادي باب سويقة. وفي ظل غياب التشويق والمفاجآت صار الدوري من دون طعم ولا لذة ولا فرجة، الا كيف نفسر الفارق النقطي الكبير بين الترجي ووصيف الموسم الماضي النجم الساحلي الذي وصل في نهاية المشوار الى 19 نقطة؟ واذا كانت هذه هي المقدمات، فان تساؤلات الجميع في تونس عن غياب الجماهير ونداءات رؤساء الاندية من اجل عودتها الى الملاعب باتت لا معنى لها... فالجماهير التي تدفع من اجل الفرجة والاستمتاع باللعب الجميل، لا يمكنها الصبر الى ما لا نهاية. واذ تعرف الملاعب التونسية اسراب من اللاعبين الاجانب في جميع الدرجات من افارقة وبرازيليين معظمهم لا يفوق اداء المحليين... فإن السؤال المؤرق: لماذا اللجوء الى التحكيم الاجنبي في مباريات دوري محلي؟ هل فقد التحكيم التونسي صدقيته الى هذا الحد؟ ويبدو ان التحكيم التونسي الذي قدم سابقاً حكاماً شرفوا التحكيم العربي في التظاهرات الرياضية الدولية يفتقد لقيمة اساسية ومهمة هذه الايام: "الشجاعة". ويعود الدوري التونسي معززاً ببنية رياضية متميزة ابرزها ملعب رادس الجديد، وباستحداث نظام مراقبة المنشطات للمرة الاولى في الملاعب التونسية وامكان اللعب بثلاثة اجانب على الميدان، ويحلم التوانسة بنهائيات الاندية في المسابقات الافريقية، ويعرض مشرف في كأس أمم افريقيا ومونديال 2002، ولتذهب الاسئلة "الحارقة" الى الجحيم!