يعتبر مسؤولون فلسطينيون على علاقة يومية بالرئيس ياسر عرفات ان وقف اطلاق النار الذي أعلنه أبو عمار مبادرة استراتيجية لحل القضية برمتها بعد ان وصلت الانتفاضة المسلحة الى طريق مسدود. هؤلاء المسؤولون يقولون ان الارهاب الذي ضرب الولاياتالمتحدة وفر للفلسطينيين فرصة القيام بمبادرة جديدة، بالاتفاق مع الأوروبيين، وبعد ابلاغ الأميركيين ان القيادة الفلسطينية تقدر ظروفهم، وتريد ان تسهل عملهم وهم يخوضون حرباً ضد الارهاب الدولي. الوضع اختلف بعد الارهاب في نيويوركوواشنطن، والفلسطينيون يريدون ألا يبدوا وكأنهم في صف الطرف الآخر، أو عدو الولاياتالمتحدة، خصوصاً ان عندهم تجربة حرب الخليج والموقف من صدام حسين. وبما ان الموقف الفلسطيني هذا يناسب الجهد الأميركي لحشد تحالف دولي ضد الارهاب، فإن القيادة الفلسطينية تنعم اليوم بأفضل علاقة لها مع الادارة الجديدة في واشنطن منذ كانون الثاني يناير الماضي. وتقول مصادر أميركية ان وزير الخارجية كولن باول اتصل حوالى 20 مرة بآرييل شارون وعرفات خلال الأسبوع الماضي، وكانت محادثاته مع الرئيس الفلسطيني أفضل كثيراً منها مع رئيس وزراء اسرائيل. شارون قال مرة بعد مرة انه لن يرهن أمن اسرائيل لأي مصلحة خارجية، وهناك مصادر تؤكد ان الرئيس بوش نفسه غضب من موقف شارون وقال له انه لم يتوقع ان تأتي الصعوبات من الجانب الاسرائيلي. ويقول المسؤولون الفلسطينيون ان الأميركيين يضغطون لاجتماع بين أبو عمار ووزير الخارجية الاسرائيلي شمعون بيريز منذ أسبوعين، وتقرر في البداية ان يتم الاجتماع يوم الجمعة في 12 الجاري، إلا ان شارون أخره 48 ساعة، ثم طالب بوقف كامل للنار، وأعلن أبو عمار وقف اطلاق النار الثلثاء، وتقرر ان يتم الاجتماع ليل الخميس الجمعة، الا انه أرجئ من جديد بعد مقتل مستوطنة، وأصبح متوقعاً ان يعقد الاجتماع هذا الأسبوع. ويقول الأميركيون انه إذا كان قتل المستوطنة حادثاً منفرداً فهو لن يؤثر في وقف اطلاق النار، غير ان الاسرائيليين يصرون على ان الرئيس الفلسطيني يكذب، فحوادث اطلاق النار هبطت، الا انها لم تتوقف، وهناك سبعة حوادث أو ثمانية كل يوم، كما ان السلطات الفلسطينية ترفض اعتقال متهمين بالقتل سلمتها اسرائيل اسماءهم. من ناحيتهم، يصر الفلسطينيون على ان وقف النار جدي، وإذا وقعت حوادث فالسلطة الفلسطينية ستعتقل الفاعلين إذا عرفتهم، وستعاقبهم. وهم يردون على ان مبادرتهم الاستراتيجية الحالية تتجاوز فك الحصار وفتح الطرق، مع العلم ان الاسرائيليين وعدوا بخطوات مقابلة من هذا النوع ولم ينفذوا شيئاً، وكل كلامهم عن الانسحاب من المناطق "ألف" التي دخلتها قواتهم غير صحيح. والرد الاسرائيلي هو ان وقف اطلاق النار غير صحيح أيضاً. غير ان الفلسطينيين لا يركزون على رفع الحصار كشرط، وانما يريدون ان يكونوا جزءاً من المعادلة الدولية الجديدة، ويصرون تحديداً على ان تراهم الولاياتالمتحدة الى جانبها هذه المرة، خصوصاً بعد قول الرئيس بوش بوضوح "ان من ليس معنا فهو مع الارهاب". والموقف الفلسطيني هذا مدعوم عربياً، فقد اشترطت الدول العربية لدخول التحالف الدولي ضد الارهاب ان تنشط ادارة بوش لاعادة الفلسطينيين والاسرائيليين الى مائدة المفاوضات. الواقع ان الاتصالات العربية مع الولاياتالمتحدة بدأت قبل ارهاب 11 الجاري، فالمصريون والأردنيون أصروا على الادارة الأميركية أن تتحرك، ثم بذل السعوديون جهداً منفصلاً، فجرت اتصالات مباشرة غير معلنة مع الأميركيين اقنعت ادارة بوش بصواب موقف الدول العربية الصديقة. وكان مقرراً الاعلان عن خطوات في اتجاه المفاوضات في الأسبوع نفسه الذي افتتح بالإرهاب في واشنطنونيويورك. هذا الارهاب خلق أوضاعاً جديدة يحاول الفلسطينيون الاستفادة منها، ومع حاجة الولاياتالمتحدة الى الدول العربية في التحالف الدولي ضد الارهاب، فإن اتصالات باول يمكن ان تعتبر استئنافاً، أو استكمالاً، لجهد مصر والأردن والمملكة العربية السعودية قبل الحادث الارهابي. وشارون يدرك ان الوضع الجديد يعمل ضد سياسته، وهو يجر رجليه جراً باتجاه المفاوضات، إلا ان الضغط الأميركي الهائل سيرغمه في النهاية على قبول اجتماع بيريز وعرفات، وعلى العودة الى تقرير ميتشل. وما طلبه يومين من الهدوء الكامل، بعد ان كان يطالب بأسبوع، الا اشارة أخرى الى عدم قدرته على الاستمرار في العناد. ولكن أكثر ما يقلق الاسرائيليين اليوم ليس الضغط الأميركي، وانما ما بدأ يتردد في الأوساط السياسية الأميركية من ان الانحياز الكامل لإسرائيل هو الذي جعل الولاياتالمتحدة مكروهة في العالمين العربي والإسلامي، وان الولاياتالمتحدة لن تقضي على جذور الارهاب إلا إذا تصرفت فعلاً كوسيط شريف أو محايد في الشرق الأوسط. إذا حدث هذا التغيير فعلاً يصبح الحل في الشرق الأوسط أقرب منالاً.